ظهرت إيران في الأسبوع الماضي في ثلاثة مشاهد علي الساحات الدولية والأمريكية والعربية. المشهد الأول تمثل في فشل اللقاء الإيراني - الأوروبي في التوصل إلي تفاهم نهائي بشأن الملف النووي، المندوب الايراني قال إن بلاده لن تتراجع عن حقها في استخدام الطاقة لاغراض سلمية علي حين أعرب المندوب الأوروبي عن خيبة أمله في احتمال تذليل العقبات قبل العودة إلي بحث موضوع فرض مزيد من العقوبات، المشهد الثاني تمثل في صدور تقرير مشترك عن الأجهزة الأمنية الأمريكية (16 جهازاً). يشير إلي أن طهران أوقفت مشروع التخصيب النووي في العام 2003 وانها لا تملك تقنيات تطوير امكاناتها علي مستوي التجهيز العسكري، المشهد الثالث تمثل في حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد افتتاح قمة "دول مجلس التعاون الخليجي" في الدوحة للمرة الأولي منذ تأسيس المجلس في العام 1981. المشاهد الثلاثة لها دلالاتها السياسية وترسل إشارات رمزية وان كانت باتجاهات متعاكسة، فالمشاهد تتلاقي في أكثر من حقل وتتقاطع علي حدين: الأول، الملف النووي، والنهايات المتوقعة له في الأسابيع والأشهر المقبلة، الثاني: موقع إيران ودورها في منظومة الخليج. تداخل الملف الأمني (النووي) مع الموقع الإيراني ووظيفته السياسية والاقتصادية في الدائرة الخليجية يرسم تلك الصورة الغامضة التي تظهر فيها المنطقة والاحتمالات المتوقعة لها في حال لم تتوصل الاطراف المعنية إلي توضيح تلك الملابسات بشأن مشروع التخصيب. الملابسات تبدو ظاهرة للعيان علي أكثر من مستوي.. المندوب الأوروبي يطلق تصريحات في لندن تعبر عن قلق وخيبة أمل ولكنه لا يقفل باب الاتصال والحوار، الدول الكبري تلتقي في باريس ولا تتفق علي مشروع موحد يحدد صيغة التعامل مع إيران ولكنها تتوافق علي مواصلة البحث في تجديد العقوبات وتشديدها في قرار ثالث يرجح صدوره عن مجلس الأمن. الملابسات هذه يمكن سحبها علي الموقف الأمريكي الغريب في تعامله مع موضوع واحد، الادارة ممثلة في تيار "المحافظين الجدد" تهدد طهران وتتوعدها وتلمح إلي اعتماد الخيار العسكري، أجهزة المخابرات والمعلومات تشير إلي تقصير تقني وفشل طهران في تطوير برنامجها ولكنها لا تتردد في وضع "قنبلة موقوتة"، حين تذكر ان ايران تستطيع إذا أرادت ان تحول مشروعها بسرعة إلي انتاج طاقة غير مدنية بين عامي 2010 و2015. الملابسات نفسها يمكن قراءة بعض ملامحها في خطاب الرئيس الإيراني في قمة الدوحة الخليجية، فالخطاب تجنب الكلام عن "المشروع النووي" وتجاهل الأزمة المفتعلة أو المحتملة وذهب إلي طرح مشروع شراكة بين ضفتي الخليج من دون اشارة إلي تطورات أمنية قد تتورط بها المنطقة في حال وصل الملف النووي إلي طريق مسدود وحين سئل الرئيس الايراني عن هذا الأمر اجاب ان مسألة الملف النووي انتهت. "الموضوع انتهي" يطرح أكثر من سؤال، فهل انتهي المشروع إلي حيثما ذكرت الأجهزة الأمريكية الأمنية في تقريرها الأخير؟ أي انه توقف عن العمل في العام ،2003 وهل "انتهي" بمعني ان ايران تجاوزت العقبات السياسية والتقنية واصبح الموضوع أمراً واقعاً لا نقاش بشأنه؟ وهل "انتهي" بمعني ان مسألة التخصيب داخلية ولا يجوز التطرق إليها من الجيران أو غيرهم؟ وهل "انتهي" بمعني ان إيران أنجزت المشروع واستكملت خطواته ولم يعد بالإمكان التراجع عن شيء أصبح جاهزا؟! هناك اذا ملابسات تطرح فعلا احتمالات غامضة بشأن مسألة حساسة تتخذها الدول الكبري، وتحديدا الولاياتالمتحدة ذريعة للتدخل في منطقة استراتيجية وحيوية اقتصاديا وغنية بترولياً. جواب "الموضوع انتهي" يفترض احتمالات مفتوحة علي تناقضات تتراوح بين حد اقفال الملف وتجاوزه سياسياً وانجازالمهمة وعدم العودة إلي الوراء، وما يزيد غموض الموضوع ويثير بشأنه علامات استفهام تلك الفقرات المتعارضة في جوهرها التي وردت في تقرير المخابرات والأجهزة الأمنية الأمريكية، فهناك فقرة تقول ان الملف أقفل في العام ،2003 واذا كانت المعلومة صحيحة فلماذا إذا كل هذا الصراخ والتهويل والتهديد بشأن مسألة منتهية قبل أربع سنوات، وهناك أيضا فقرة ملغومة تقول ان ايران بإمكانها انجاز المهمة اذا أرادت ذلك في فترة تتراوح بين ثلاث أو ثماني سنوات. هذا التعارض في التقرير المخابراتي الامريكي يكشف إما عن ضعف في المعلومات واما يعكس ذلك التعارض في توجهات الادارة بين جناح يدفع باتجاه التصعيد وصولا إلي تبني الخيار العسكري وجناح يطالب بخفض الضغط والإبقاء علي خيار الحل الدبلوماسي بالتعاون مع الدول الكبري. أين الصحيح من كل هذا الضجيج؟ هل المسألة مفتعلة ومجرد "كلام في كلام" والقصد من إثارتها التهويل والتخويف لابتزاز المنطقة وتوتير علاقات دولها وتبرير تدخل الدول الكبري في شئوها أم أن المسألة موجودة فعلا ولم يعد بالإمكان معالجتها سلماً لا حرباً باعتبار أن المشروع انتهي "بمعني أنجز" او انتهي "بمعني أقفل"؟