دخل لبنان أسبوعه الثاني في منطقة "الفراغ الرئاسي" النواب فشلوا في التوافق علي رئيس وفاقي ينقذ البلد من الانهيار أو يدير الأزمة ويمنعها من الانفجار لذلك قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجيل جلسة الانتخابات إلي السابع من ديسمبر بما معناه أسبوع آخر من الانتظار وهذا الأمر يطرح علامات استفهام بشأن امكان التفاهم علي رئيس للبلد يتم اختياره من خارج اللائحة التي اقترحها البطريرك الماروني والتفاهم الذي ظهر في الساعات الأخيرة علي اختيار قائد الجيش العماد ميشال سليمان أعاد خلط الأوراق ودفع القوي السياسية إلي الدخول في قراءات دستورية ثانية لتبرير هذا الموقف المستجد. وحتي تتضح صورة التحالفات وتتبلور صيغة الاخراج الدستوري للأزمة الرئاسية هناك مخاوف جدية من انزلاق بلاد الأرز إلي موجة جديدة من العنف بدأت طلائعها بالظهور في مدينة طرابلس في الشمال ويرجح أن تنتقل إلي مناطق أخري في حال لم يتوصل النواب إلي احتواء تداعيات مشكلة الفراغ فالمسألة سياسية في جوهرها وتتجاوز حدود القوانين والمواد الدستورية وفي حال انفرط عقد التفاهم علي ضمان السلم الأهلي فإن احتمالات التصادم واردة. لبنان الآن يقع في منطقة وسطي بين السلم والتصادم وعادة تتسم هذه المنطقة الانتقالية بحالة من القلق الأمني والفوضي السياسية وهذا ما دفع السفير الأمريكي جيفري فيلتمان إلي وصف المرحلة الانتقالية بكلام غريب حيث وصف الحال القلقة ب"الفراغ الهاديء الذي لا يمكن أن يستمر طويلا في ظل فضاءات دولية واقليمية قلقة تتجاذب المنطقة صعودا وهبوطا من إيران إلي غزة وهذا الوضع الخطر يطرح السؤال بشأن فترة "الفراغ" فالمدة تحدد الاتجاه الذي سيذهب إليه لبنان إذا كانت المدة قصيرة "أسبوع آخر" فمعني ذلك أن التوافق السياسي/ الدستوري علي رئيس وفاقي "انقاذي" أصبحت قريبة ويمكن توقع نتائجها في جلسة النواب المقبلة أو في جلسة أخري تتجاوز موعد 7 ديسمبر الجاري أما إذ كانت المدة طويلة فمعني ذلك أن بلاد الأرز أصبحت من جديد وكما هو حالها دائما رهينة تطورات وانعطافات وربما تحالفات غير مرئية قد تشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة. "الفراغ الهاديء" في بلد صغير يحتاج إلي قوي سياسية واعية تدرك خطورة الموقف الدولي/ الاقليمي وسلبيات الانزلاق إلي مواجهات محلية لن تكون في جوهرها بعيدة عن تلك التجاذبات الأهلية الطائفية والمذهبية. والفراغ أيضا يتطلب بدوره توافقات دولية وإقليمية تضمن استمراره الهادئ من خلال الضغط علي الأطراف اللبنانية بعدم الاتجاه نحو الحلول القصوي والمتطرفة. في كل الحالات هناك مخاوف علي لبنان. واحتمالات تعرضه إلي تعديلات في توازناته السياسية مسألة واردة حتي لو قطعت بلاد الأرز منطقة الفراغ بهدوء ومن دون دورة جديدة من العنف. فالهدوء المؤقت يتطلب انتخاب رئيس للجمهورية وهذا يعني التوافق علي "نصاب الثلثين" وتعديل مادة في الدستور أو الذهاب بعيدا في صيغة الأكثرية المطلقة. والهدوء الطويل الأمد "ثلاثة أشهر أو أكثر" يتطلب هدنة دولية/إقليمية تضمن عدم انهيار العلاقات الأهلية والارتطام بتعقيدات واقع طائفي/مذهبي. والهدوء الدائم في ظل فراغ موقع الرئاسة يمكن أن يولد في حال استمراره تعارضات أهلية ساخنة تطرح سلسلة أسئلة استفهامية تتعلق بمصير الكيان ووجوده السياسي. وهناك أسئلة كثيرة مسكوت عنها بدأت تطرح بقوة في الزوايا السياسية للأطراف اللبنانية. هناك مشروع يطالب بإعادة النظر باتفاق الطائف الذي يعتمد صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وهذا المشروع في حال طرحه علي طاولة التفاوض لن يكون في نهاية التحليل لمصلحة المسيحيين، لأنه سيعيد النظر بفكرة المناصفة ودفعها باتجاه المثالثة. هناك مشروع يقترح تحويل البلد إلي صيغة تشبه ذاك النموذج الأمريكي في العراق "فيديراليات". وهذا يعني تحويل لبنان إلي مجموعة "كانتونات" يحكمها أمراء الطوائف أو تقسيمه إلي ثنائية مسيحية ومسلمة تشبه سياسيا النموذج الذي ظهر فجأة في فلسطين أو مشروع إعادة لبنان إلي عهد الوصاية السورية مع ضمانات عربية تحفظ التوازنات داخل لبنان.. والله يعلم..!