فشلت الاطراف اللبنانية في تأمين النصاب القانوني لعقد جلسة الثلاثاء 23 أكتوبر الماضي لانتخاب رئيس للجمهورية وخوفا من الوقوع في مطب الفراغ الدستوري سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري الي تحديد جلسة ثالثة ، وربما تكون الاخيرة، اليوم122 نوفمبر. هذه الجلسة ينبغي ان تكون حاسمة، لانها تأتي قبل الايام العشرة الاخيرة من نهاية فترة حكم الرئيس الحالي اميل لحود وفي حال لم تتوصل الاطراف الي حل توافقي بشأن الرئيس ومواصفاته يرجح ان تنزلق الازمة الي منطقة خطيرة قد تودي بالكيان السياسي وتشرذمه الي دوائر طائفية ومذهبية يتحكم فيها امراء الحروب والمناطق والطوائف. خطر انشطار الي وحدات "فيدرالية" ليس مفتعلا في حال اجريت مقارنة بين حال الفوضي التي يمر بها وتلك الحالات المشابهة لها في العراق وغزة فالفوضي تعني انعدام السلطة. والفراغ في السلطة يشجع القوي الاهلية التي تسيطر علي ميدان المقاطعة علي التفكير في بناد ادارة ذاتية تشرف علي شئون المحلة او المنطقة او الدائرة كما حصل في شمال العراق وجنوبه ووسطه وغربه او كما فعلت "حماس" في القطاع. هذه المخاوف من المجهول دفعت القوي المحلية والاقليمية والدولية الي التحرك دوليا ارسلت اوروبا ثلاثة وزراء خارجية "فرنسا ، ايطاليا ، اسبانيا" للبحث في الموضوع واجرت اتصالات وحذرت من خطورة الانهيار. تركيا ايضا ارسلت وزير خارجيتها محاولا التوفيق بين وجهات النظر بتنسيق مع دمشق .الفاتيكان ارسلت مبعوثها الخاص في سياق قراءة عامة تريد توحيد الشارع المسيحي لتجنب الاصطدام بواقع ديموجرافي "سكاني" يعطل علي الكتلة المسيحية انقاذ موقعها الاخير في المشرق العربي. تصادفت هذه الاتصالات الدولية والتركية مع تحركات اقليمية ومحلية مصر مثلا اوفدت وزير خارجيتها احمدابوالغيط للبحث في مخارج قانونية تنقذ لبنان من التورط في ازمة مفتوحة . وتأتي زيارة وزير الخارجية المصري علي خلفية لقاءات واتصالات اجراها قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان في القاهرة شملت كبار المسئولين وعلي رأسهم الرئيس مبارك. زيارة قائد الجيش اللبنانني لافتة النظر فهي شملت مجموعة نقاط من بينها مسألة الرئاسة الجنرال سليمان يعتبر احد المرشحين غيرالرسميين لهذا المنصب وهذا يعطي اشارة خفية الي وجود بدائل غير معلنة في حال وصلت الازمة الدستورية الي حائط مسدود فهل يمكن القول ان قائد الجيش سيكون بمثابة "ملاذ اخير" للمشكلة؟ هناك علامات استفهام بشأن الموضوع فالجنرال لم يؤكد او ينفي عزمه تقديم ترشيحه فهو ترك المسألة غامضة ومفتوحة علي احتمالات. والسبب ان من يريد الترشح فعليه ان يقدم استقالته من منصبه الرسمي العام قبل ستة اشهر من اقتراب موعد الاستحقاق وهذا لم يفعله. وبما انه لم يستقل قبل ستة اشهر فمعني ذلك ان الدستور يمنعه من ترشيح نفسه الا في حال واحدة وهي ان نواب المجلس يجتمعون بغالبية نصاب الثلثين يعدلون مادة "مرة واحدة فقط" تجيز لمن يتولي منصبا في ادارة الدولة العامة ان يترشح. تعديل المادة يفتح الباب امام اكثر من مسئول كبير من بينهم قائد الجيش او حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وزيارة ابوالغيط لن تكون مجرد محاولة لاكتشاف منافذ للازمة وانما يرجح ان تبحث مع الاطراف المعنية الاسماء البديلة في حال اصطدمت الاتصالات الاخيرة بمواقف متصلبة. الاتصالات الاخيرة تسير علي اكثر من خط محلي فهناك اتصالات مباشرة بين بري ورئيس كتلة تيار "المستقبل" سعد الحريري وهناك اتصالات مسيحية - مسيحية برعاية البطريرك والكنيسة المارونية اسفرت عن تشكيل "لجنة رباعية" تألفت من "8و14مارس" للبحث في صيغة معدلة تؤمن النصاب القانوني لاختيار رئيس غير محسوب علي طرف معين وهناك اتصالات مباشرة حصلت بين رئيس "التيار الوطني الحر" الجنرال ميشال عون والرئيس الاعلي للكتائب اللبنانية الشيخ امين الجميل. اتصال الجنرال عون بالجميل مهم للغاية لانه يأتي بعد خلافات عنيفة بين القطبين نشأت إثر اغتيال الوزير والنائب الشاب بيارامين الجميل والتنافس الحاد الذي تم بين الطرفين لانتخاب النائب البديل للمقعد الماروني في دائرة المتن الشمالي. ويشكل الاتصال الثنائي محاولة اولي لكسر حلقات العزلة التي طرأت علي الطرفين وادت الي نوع من الانقطاع وعطلت علي الكنيسة استكمال مهمة التواصل الداخلي بين رعاياها.