الجراح أحمد شفيق

مات الجراح المصري العالمي أحمد شفيق، وصديقي الذي أبلغني بالخبر قال لي في اقتضاب "الباشا مات"، وفهمت انه الدكتور الجراح أحمد شفيق، فقد كان كل من عرفه يخاطبه بالباشا وكل من رآه، كان يشعر انه باشا في المظهر والجوهر، وبرحيل أحمد شفيق المفاجئ ينتهي عصر باشوات الطب الذين لهم بصمات علي دارسي الطب، واسماؤهم مسجلة في كلية طب قصر العيني كأعمدة النور في هذه المهنة، كان شفيق انيقا في ملبسه كان يقلد مورو باشا.
الدكتور نجيب باشا محفوظ كان منديل الجاكيت المتناسق مع ربطة عنقه يخرج من جيبه بطريقة معينة فيعطينا احساسا بوجود باشا الطب بيننا.
كان الباشا شفيق "عاشق صبابة" للجراحة وكان يقول لنا "إن أصابع الجراح في رقة اصابع رمزي يسي عازف البيانو المصري العالمي"، الباشا شفيق رفض عدة مرات منصب الوزير وقال "معملي وابحاثي وفيران تجاربي تضيف للبشرية أما منصب الوزير فهو قصير وعمره أقصر"، لم تشهد مصر عالما جراحا كأحمد شفيق الذي كان ينفق بالألوف علي ابحاثه، فاذا خرجت للنور هاجمته الأقلام بضراوة وكاننا نعادي البحث والباحث، ومرة.. غضبت من صديقي الكاتب القذيفة د. يوسف ادريس لأنه هاجم بقسوة الباشا شفيق قلت "ليوسف ادريس" كيف تهاجم طبيبا مثلك كل اهتمامه ببحوثه وربما يصيب وقد تخيب؟ قال إدريس بعصبية "لقد اصبح أحمد شفيق بابا اسبوعيا في الصحف وصار مادة دائمة في الاذاعة والتليفزيون" قلت ليوسف إدريس سوف اكشف لك سرا، إن د. شفيق لا يتقاضي مليما من عمليات يجريها للإعلاميين والإعلاميات وهم يريدون مجاملته، هذا هو الواقع، فان اردت ان تلوم فليكن لومك للاعلاميين ولا لجراح المسالك البولية الكبير الذي يرفض أجرا من فقير معدم أو ست غلبانة" وصمت يوسف إدريس وهز رأسه وهو يتمتم: مفهوم. مفهوم. دليل اقتناعه!
كان الباشا شفيق تربطه برجال السياسة في مصر علاقات عميقة وكانوا ضيوفه في الاعياد وشم النسيم ولم يستثمر هذه العلاقات أو يحصل علي مكاسب من خلالها، كان كبرياء الباشا شفيق كقامة هرم وعنفوان رمح.
والحق يقال كانت زوجة الباشا شفيق وهي الدكتورة الفت السباعي وراءه بخطوة ومعه وتعرف شغفه بنتائج ابحاثه وتعرف موعده الليلي مع فيران التجارب اسفل فيلا الهرم حيث خصص حجرتين للبحث وليس غريبا دعوة شفيق لمعظم مؤتمرات الدنيا العملية للاستماع الي بحوثه كعالم من الشرق الأوسط.
كان الباشا شفيق يري ان فيروسات العالم التي عرفها الطب هي جزء علي عشرة من فيروسات العالم التي نجهلها وكلما زحفت التكنولوجيا تصدت لها الفيروسات في معركة حياة أو موت كان الباشا شفيق يري ان مافيا الدواء أكثر توحشا من مافيا السلاح كان الباشا شفيق يقول انه تأسس جيدا في مدرسة شبين الكوم ووجهته في صباه الي "البحث والتفتيش عن الحقائق".
كان الباشا شفيق رئيسا لأقسام الجراحة وكان معروفا بقسوته علي الأطباء والطلبة وكان يبرر ذلك بان الطب "لا يعرف إلا حياة المريض ولا يعرف أنصاف الحلول".
اكتب عن الباشا شفيق الذي كان ينصحنا بالتقليل من أكل اللحمة ويقول حافظ علي امعائك وقولونك كان ينصحنا ب"طبق السلطة" ويقول ان فيه كل الفيتامينات الطبيعية دون مركبات كيميائية.
مات الباشا أحمد شفيق الذي عمل عمليات جراحية عالمية..
مات عالم يندر وجوده في "دنيا سلق البيض" في كل أمورنا إلا نادرا