قلنا إن الحلم العربي الكبير لايزال يراود جانبا لا يستهان به من الشعوب العربية ألا وهو أن يأتي يوم تصبح فيه المنطقة العربية بدولها وشعوبها قوة لا يستهان بها ومركز إشعاع حضاري وثقافي. وكانت قد حدثت تجارب "وحدوية" لتوحيد بعض الدول العربية أو إيجاد نوع من "الاتحاد" بينها ولكن هذه المحاولات سواء الاندماجية أو الاتحادية فشلت في تحقيق أي غاية من الغايات التي يتطلع إليها مجموع الناس في الشعوب العربية. وطرأ علي الفكر الوحدوي أن تكون هناك تمهيدات أو مقدمات اقتصادية بين الدول لعلها تذلل العقبات السياسية التي تحول دون التقارب إلي درجة الوحدة الاندماجية أو الاتحادية، ولكن هذه أيضا لم ينتج عنها التمهيد المطلوب نظرا لغياب الرؤية الشاملة التي تسعي وتؤدي إلي تحقيق الهدف خطوة خطوة مادام تحقيقه جملة واحدة غير ممكن. ولا ينفع في حالتنا هذه تبادل الاتهامات حول من المسئول عن تردي الأوضاع بهذا الشكل فالواقع الذي تعيشه المنطقة العربية لايزال يؤكد أن إيجاد نوع من العلاقات الهادئة القائمة علي أساس التفاهم علي الحد الأدني من المصالح لايزال متعثرا بصورة ما بدليل ما يحدث من احتكاكات تتجاوز آثارها الغرف الدبلوماسية لتبرز أمام العامة بصورة مزعجة ومنفرة. ولست أدري ماذا تستفيد دولة عربية وماذا يعود علي حكومتها وشعبها من الخروج علي الأعراف الدبلوماسية وعلي المنهج السياسي في الحديث عن دولة أخري أو سياسة حكومتها؟ وحتي لا نتوه في كلان نظري فيمكن أن نتساءل ماذا استفادت الحكومة السورية مثلا من تهجم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع علي السياسة السعودية تجاه قضايا المنطقة، وماذا تستفيد العلاقات العربية والدولية من وصف الرئيس السوري نفسه للقادة العرب بأنهم أشباه رجال أو أنصاف رجال؟ المؤلم حقا أن تلك الانفعالات العصبية العلنية تتنافي مع قواعد القيادة وسلوك كبار المسئولين علي هذا المستوي، والخروج علي هذه القواعد ينبئ بحدوث خلل جسيم لا ندري عمقه أو أبعاده، ولكنه خطير علي أية حال. وحين يكون جميع المراقبين والمحللين السياسيين في المنطقة العربية وخارجها يعلمون مدي ما قدمته المملكة العربية السعودية من دعم سياسي وغيره للدولة السورية فإنه يكون غريبا أن يسمعوا انتقادات علنية تخرج عن الصيغ السياسية والدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول جميعها، وليس بين الأشقاء خاصة. وليس لدي أدني شك في أن هذا النوع من التصريحات مثل التي صدرت عن كبار المسئولين السوريين يستهدف دفع السياسة السعودية التي تميزت بالايجابية في الآونة الأخيرة لاتخاذ مواقف سلبية من القضايا المهمة في المنطقة ولكن المفاجأة كانت في الرد السعودي القوي علي المهاترات ورفض الانزلاق إلي منطقة التراجع ولنا عودة.