عادت أزمة رغيف العيش من جديد لتكون الهم الرئيسي للمواطن المصري، وأصبحت طوابير العيش المشهد المتكرر حيث يقف المواطنون ساعات طويلة أمام الأفران ومنافذ بيع الخبز وسط زحام شديد وتدافع و"خناقات" انتظارا للفوز باحتياجاتهم من العيش. وليت الأمر يقتصر علي ذلك، وإنما يحصلون عليه إذا توافر في حالة سيئة وغير مطابق للمواصفات ولا يمكن أن يكون صالحا للاستخدام الآدمي. عدد كبير من العائلات أصبح يجند أفراد الأسرة للبحث عن رغيف العيش من طلوع النهار، والحجز في الطوابير الطويلة. ومن لا يستطيع أن ينجح في هذه المهمة الصعبة يلجأ مضطرا إلي شراء الخبز من "السوق السوداء" بأسعار مضاعفة تفوق إمكانيات معظم الأهالي. والجديد في هذه الظاهرة المتفاقمة والتي هددت الأمن الغذائي لأنها ضربت في مقتل أهم مصدر للأسرة وهو الرغيف، أن من كان يشتري رغيف "أبو شلن" في الأسابيع السابقة أصبح مضطرا الآن لشراء الرغيف بربع جنيه لعجزه عن الانتظار في طوابير طويلة لا آخر لها وسط المشاحنات والسلوكيات الغريبة، وقد وصل الأمر بالبعض لشراء نفس النوع من الرغيف التعيس بأربعين قرشا، وذلك تحديدا في مناطق عين شمس ، والمطرية وحدائق القبة أيام الجمعة والسبت الماضيين. ولي تجارب وشهود في ذلك تنتظر المسئول الذي مازال يمكن أن يرق قلبه للمواطن "الغلبان" صاحب الأسرة الكبيرة المسئول عن اطعامها مهما كانت الظروف. أما أطرف موقف وأكثره غرابة.. ما حدث في مطعم فول وطعمية بمنطقة ميت عقبة عندما فشل رب أسرة في الحصول علي احتياجاته من العيش البلدي اليومي، فاضطر إلي الذهاب إلي محل الفول والطعمية ليشتري سندوتشات لإفطار أولاده، فطلب منه صاحب المحل إحضار عيش بلدي بنفسه حتي يصنع له السندوتشات نظرا لأن العيش غير متوافر. فخاب بذلك أمل هذا الأب الذي تصور نفسه "ذكيا" ويستطيع أن يتحايل علي أزمته حتي علي حساب جيبه. أما عن تداعيات هذه الأزمة فحدث بلا حرج.. فنحن شعب يعتمد في قوته علي الرغيف، ولا مجال لتغيير هذه العادات الغذائية لأنه لا بديل لإطعام الأفواه والأرانب بمصدر آخر. ولكن يبدو أن الحكومة سدت آذانها عن هذه الشكاوي، وتتعامل مع الأزمة "بطناش" غريب، في حين أن الأمر يتطلب تدخلا سريعا وعاجلا، وإلا فإن الأزمة قد تؤدي إلي ما لا يحمد عقباه.. فحذار من ثورة الجياع وثورات الخبز في العالم النامي أسقطت حكومات، ولكن حكومتنا واثقة في نفسها وفي سياستها ولا تتصور أن المواطن مازال فيه "رمق" لأي ردود أفعال غاضبة. وقد يكتفي بتفجير غضبه في المواطن زميله، وأحداث المشاجرات والبلطجة التي تندلع طوال اليوم بسبب الزحام الشديد أمام الأفران ومنافذ التوزيع شاهدة علي أن سداد فاتورة هذه الأزمة يتم علي أرض الواقع وبين المواطنين فيما بينهم. والخطير أن الأزمة تجاوزت القاهرة إلي الإسكندرية ومطروح والقليوبية والدقهلية والإسماعيلية وبورسعيد ودمياط والمنصورة وكفر الشيخ.. وإذا كنت بالكاد أستطيع تفهم أسباب تفاقم الأزمة في المحافظات الساحلية بسبب زيادة عدد المصيفين والوافدين، لكني عاجزة عن فهم أسبابها في المحافظات الأخري. مما يعني أن الأمر يحتاج إلي وقفة حقيقية، خصوصا أن شهر رمضان علي الأبواب، وهو شهر "تقليديا" معروف بمعدل استهلاك عالية في رغيف الخبز وجميع المواد الغذائية الأساسية. ولعل التدخل الوحيد الملحوظ إزاء أزمة الرغيف هو ضبط نحو 13 الف قضية انتاج خبز ناقص الوزن و113 الف قضية انتاج خبز مخالف للمواصفات .. و1700 قضية "تهريب للدقيق المدعم باجمالي كمية 240 طنا اضافة الي 1688 قضية بيع بأزيد من السعر واغرب تعليق تذيل به هذه الاخبار التي تتحدث عن جهد الادارة العامة لمباحث التموين في ضبط الأسواق والتصدي للارتفاع غير المبرر للاسعار .. ان ذلك يتم تنفيذا لتوجيهات الرئيس مبارك وتعليمات مجلس الوزراء استعدادا لشهر رمضان. لكن السؤال الم تأت تعليمات .. اخري بتوفير رغيف الخبز للمواطن وتسهيل الحصول عليه وقد سمعنا وقرأنا عشرات التصريحات لوزير التضامن بان الاحوال ستنصلح قريبا ومضي اكثر من سنتين ولم تنصلح الامور ياسيدي "المصيلحي" بل ان الامور تزداد سوءا. واكرر حذار من ثورة الخبز .. والجياع!!