يبدو أن الاصلاح المصرفي لم يضع في أجندته ملف خدمة عملاء البنوك الذي بات يتحول من سيئ إلي أسوأ فالبنوك الخاصة والأجنبية رغم زيادة عدد فروعها فإن بعضها مازال لا يختلف عن البنوك العامة في سوء الخدمة المقدمة للمواطنين. وإذا كانت البنوك العامة تحولت إلي مستشفيات عامة وجمعيات تعاونية من جراء تهالك مقاعدها وفروعها فإن البنوك الخاصة والأجنبية لا تكترث "هي الأخري" بخدمة العملاء فقد تعرضت لغزو تكنولوجي هائل وضخم.. ولكن البطء مازال السمة العامة في تقديم الخدمة. "الأسبوعي" قام بجولة لرصد أحوال العملاء في البنوك المصرية. بداية الجولة كانت في البنك الأهلي فرع الهرم، ولم يكن اختيارا مقصودا بل مصادفة، ولاحظنا التكدس الكبير من قبل المواطنين. وكانت درجات الحرارة داخل أروقة البنك لا تختلف عن لهيب الشمس في الخارج، فأجهزة التكييف معطلة ولا توجد حتي مراوح. الجمهور استخدم المراوح الورقية بديلا عن أجهزة التكييف حتي يهون عليه مرارة الانتظار للطوابير الطويلة والتي هي أشبه بطوابير الجمعية. اقتربنا أكثر من الجمهور الذي كان أغلبه من كبار السن الذين ينتظرون الدوائر الالكترونية التي تعمل في وادٍ والمواطنون في وادٍ آخر فهي ليس لها استخدام أصلا فالموظف ينادي علي المواطنين للحاق بأدوارهم بينما تتعالي أصوات الدوائر الالكترونية والتي تعمل في اتجاه آخر في كثير من الأحيان. اقتربنا من العملاء وقد تعالت أصوات التنهيدات من ارتفاع درجات الحرارة وكان رجل مسن قد أخذ يهذي ويتمتم بعبارات سخط وحزن وقال: سئمت من هذا الهراء ماذا فعلنا حتي نجلس في طوابير طويلة وبيروقراطية قاتلة ثم نعاقب بأعطال التكييف المفتعلة بدون سبب!! سأخرج من هنا بعد عشر دقائق لا أريد أن أضيف الأرباح علي رصيدي المتواضع الذي تآكل بفعل الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة. بعض كبار السن تعذر عليهم صعود السلالم، فالبنك به طابقان، لذلك انسحب البعض ولم يقض حاجته، بينما ظل البعض الآخر "يصرخون" حتي لا يصعدوا الدرج. الموظفون من جانبهم انتابتهم موجة من الصمت والوجوم وعدم الاكتراث بتعبيرات السخط من العملاء وقد فارقت الابتسامة وجوههم فهم يئنون أصلا تحت وطأة الحرارة، وكثرة العملاء وتذمراتهم، وحجم العمل المرهق المحمل علي عاتق الموظفين مع قلة عددهم. السمة المشتركة جولة أخري ل "الأسبوعي" في عدد آخر من البنوك وكانت السمة المشتركة بين أكثر من بنك وفرع لبنك واحد هو تعطل ماكينات الصراف الآلي التي صممت لتحويل المجتمع إلي التعامل الالكتروني أفضل من النقدي، وتيسيرا علي المواطنين لتوفير السيولة في أي وقت علي امتداد اليوم إلا أن ما حدث هو استبدال الموظف البشري "بموظف الكتروني" لا يقل في البيروقراطية عن نظيره لأنه كثير الاعطال، وهذه الوضعية تحتاج إلي موظفين متفرغين لحل هذه المشكلات مع كثرة لجوء المواطن للسؤال عن تعطل أجهزة الصراف الآلي!! مواطن بسيط تساءل أمام إحدي هذه الماكينات المتناثرة في شوارع العاصمة وقال: "ماحناش قد التكنولوجيا بنطبقها ليه؟".. وجزء من هذه المشكلات يعود إلي جهل المتعاملين، وعدم تدريبهم علي استخدام الآلات. أحد المواطنين، عبد الرحمن علي، 57 سنة، قال: نحن لا نريد أن نبتعد عن البنوك العامة لاننا لا نعرف غيرها فهناك آلاف البنوك ملأت مصر ولا نعلم عنها شيئا ومع ذلك فالبنوك العريقة تبدل بها الحال من سيئ إلي أسوأ فساحاتها أصبحت أشبه بجمعيات تعاونية وهذا ما أكدته جولة "الأسبوعي" في فرع آخر من فروع البنك الأهلي وهو فرع الزيتون الذي تحول إلي ساحة أشبه بساحات المستشفيات العامة حيث المقاعد المتهالكة والتي ظهرت عليها علامات الزمن، والغريب أن رؤساء الفروع يتحدثون عن التحديث، وتكييف الأماكن ووضع كراس وغيرها من التجديدات التي ادخلوها علي الفروع في حين أن المواطنين قد اتخذوا من اركان وادراج البنك مقاعد لهم بعدما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أما السادة الموظفون فقد ضاقوا ذرعا بدورهم بالفوضي ورفعوا أصواتهم يطلبون من العملاء التزام الهدوء حتي تأتي أدوارهم. جولة أخري في بنك التنمية والائتمان الزراعي فرع المهندسين، الذي كان يشهد تكدسا ضخما من قبل العملاء ولدي الاقتراب من إحدي السيدات التي فضلت عدم ذكر اسمها وقالت: إنها موظفة حكومية وحصلت علي قرض مقداره 10 آلاف من الجنيهات بفائدة 9% مثلما قال لها الموظف ثم فوجئت ان القرض سيتجاوز ما يتم سداده 15 ألف جنيه في نهاية المدة "أي سيتجاوز 13%" والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يكلف الموظف نفسه عناء ايضاح المفاهيم للمواطن الراغب في الحصول علي هذا القرض؟!.. ربما لقلة الوقت لدي الموظف، وربما لعدم الاستيعاب الجيد من العميل، ولكن المحصلة واحدة. البنوك الخاصة البنوك الخاصة لم تختلف كثيرا عن البنوك العامة فكثير منها مازال يعاني من سوء الخدمة وكانت الجولة أولا في البنك العقاري العربي فرع المهندسين، حينما توجهت سيدة إلي الطابق السفلي للتوجه للخزينة لصرف جزء من حسابها الدولاري وعندما بدأت في عد المبلغ المسحوب وجدت عجزا يقدر بنحو 50 دولارا فقالت: إن هناك عجزا فأجابها الموظف انه لا يوجد عجز وانه قام بعد المبلغ الموجود في الخزنة وتطابق مع ما تم سحبه!! السيدة قالت للموظف: لن أغادر المكان قبل الحصول علي 50 دولارا فأجابها الموظف: "أنا عديت وماليش دعوة" وبعد مفاوضات ومداولات وحسابات اعترف الموظف بوجود العجز واعطاه للسيدة. تلك المشكلات وان كانت تبدو عادية في سياق أي يوم عمل، لكنها توقف استمرارية "الشغل" وتعطل العملاء الآخرين حتي تحل أولا، إضافة إلي الصوت العالي، و"ثقافة المشاركة الجماعية في حل المشكلة".