بين ذكريات الماضي الجميل، وفي الحي التعاوني الساكن يعيش أحد أبناء هذا الوطن، يراقب الأحداث، ولا يعقب، يؤثر السلامة، ويهرب من الأضواء حتي لا يتحمل آثار تلك الكلمة. حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق ومهندس تخطيط ال 17 مدينة عمرانية و340 قرية، لم يثر الاهتمام منذ أن ترك موقعه في الحكومة عام 93 مثلما أثاره هذه الأيام.. ربما إيثاره السلامة، والاحتفاظ بشهادته فيما يحدث للإسكان، وعمليات البيع للأراضي بالمناطق الجديدة هو ما جعله محط أنظار للجميع. زيارة واحدة قام بها حينما كان وزيرا إلي العاصمة الفرنسية باريس أراد بعدها أن ينقل التجربة الفرنسية في تخطيط المدن إلي القاهرة الكبري، وحينما لم يجد من يسانده سارع بتقديم استقالته. مازال يتذكر "الكفراوي" واقعة مجلس الشعب حينما قدم أحد الأعضاء استجوابا بعدما ترك الوزارة بأيام قليلة بأنه "سايب" 200 ألف شقة بدون تسكين، ورد وقتها انه لو يعلم مصيره لكان قد ترك 2 مليون شقة. لم ينس "الكفراوي" حينما أمره الرئيس الراحل "أنور السادات" أن يبيع متر الأرض في مدينة العاشر من رمضان بسعر 50 قرشا فقط، وأن يعرض مليون متر للبيع في التو والحال، رغم أن تكلفة المتر وقتها كانت 14 جنيها، وعندما اعترض علي ذلك قال له "السادات": "كيف نطلب الولاء للوطن من أبناء الشعب دون أن نوفر لهم ضرورياتهم". بدا متابعاً بدقة تفاصيل ما يحدث في قطاع العقارات وعمليات بيع الأراضي بالمزادات وقال: "المشهد غير مريح، والأمانة تقتضي أن يكون للمواطن الحق في أرض للسكن، وأخري للعمل، وثالثة يدفن فيها بعد رحيله، وكان "السادات" دائما يقول: ليس مقبولا أن نطلب من أولادنا الولاء لهذا البلد والدفاع عنه، ولا نوفر لهم مسكنا ملائما". وتابع "الكفراوي" في حواره الذي اختص به "الأسبوعي": "ربنا جعلنا طبقات فهناك حد أدني للسكن: جدران، سقف وباب، وإذا كان التعليم والصحة إلزاما فإن توفير السكن إلزامي فأنا مازالت مقتنعا برسالتي تجاه "الغلابة"، لذا لقبوني بخادم المجتمع ووزير الغلابة، أما من يريد فيلا، وملعباً، وحمام سباحة فعليه أن يتحمل مسئولية نفسه، ولا يشغل المجتمع بأمره، لأننا نبحث عن مصير أكثر من 44% يعيشون تحت خط الفقر، وليس أصحاب الملايين". السكون خيم علي الغرفة عندما صمت قليلا ليطرح رؤيته في بعض النقاط التي أبحث لها عن إجابة ولم ينكسر الصمت، إلا عندما دخلت مديرة منزله تسأله إذا كان يريد شيئا أم لا.. وقتها قال: "أنا لست ضد الشركات الاستثمارية سواء العربية أو الأجنبية، فمرحبا إذا كانت للصالح العام، ولكن لابد أن نضمن حق الفئات محدودة الدخل، وحق الدولة، حيث تلتزم الدولة بتحديد سعر الأرض المعروضة لمحدودي الدخل، ويقوم الجهاز عند نقل الملكية بالحصول علي نصف الربح في حالة البيع". وتساءل "الكفراوي": لماذا لا نبيع الأراضي بحق الانتفاع في حالة المساحات الكبيرة لمدة 50 أو 70 عاماً؟، وذلك حتي نضمن حق الدولة ومن يريد البناء حتي لو كان هذا البناء ناطحات سحاب، فله ذلك، ولكن عليه أيضا الإسكان الإلزامي للمواطنين الغلابة. كثيرون يرون أن قطاع العقارات يمر بحالة رواج، إلا أن وزير الإسكان له رأي مختلف، حيث قال: "ليس معني اننا نبيع قطعة أو اثنتين يعني ذلك رواجا، وإنما الرواج في مفهومه الحقيقي إتاحة الفرصة للجميع للشراء، كل حسب امكانياته من أبناء هذا البلد فالطفرة التي نشهدها في العقارات وهمية". لكن هل حالة الرواج التي حدثت للعقارات في 97 تتكرر الآن؟ يجيب "الكفراوي": لم يحدث أي رواج في 97 وإنما الرواج كان حتي عام 93 فقط. في جعبة "الكفراوي" الكثير من الروايات في هذا الصدد ومنها حينما طلب الرئيس الراحل "السادات" بيع مليون متر مربع من مدينة العاشر وتردد في البداية "الكفراوي" وقال للرئيس أنا أمامي 6 أشهر للتخطيط، ونقل "الكفراوي" ما حدث لممدوح سالم رئيس الوزراء وقتها، الذي انزعج ورد علي الكفراوي مداعبا إذا كنت عايز تُطرد من العمل فالطرد من نصيبك وحدك، أما أنا فغير مسئول عما يحدث لك "وماليش دعوة"! مما اضطر "الكفراوي" إلي الإعلان عن بيع مليون متر في العاشر بسعر 50 قرشا للمواطنين، وقد تقدم وقتها نحو 11 مليون مواطن وحينما اعترض "الكفراوي" علي ذلك حيث إن تكلفة المتر 14 جنيها رد السادات قائلاً: "أنا سأعطيك الفروق البالغة 50.13 جنيه عن سعر كل متر، وتابع موجها كلامه ل "الكفراوي": أنا سعيد بذلك لأننا عرضنا مليونا للبيع فتقدم 11 مليونا وهذا يبشر بالخير".