أخيرا وبعد غياب طويل اتجهت مصر جنوبا لتسمع وتري ما يجري في السودان.. ولابد أن نعترف أننا أهملنا السودان زمنا طويلا وتركناه أرضا خصبة للمتآمرين والعابثين والطامعين.. وأعطينا قضايا كثيرة اهتماما أكبر.. وقد كان غريبا أن نسعي للشراكة مع دول أوروبا ونتحدث عن الكويز ونمد خطوط أنابيب الغاز إلي إسرائيل وتركيا ونقيم شبكات الكهرباء شرقا وشمالا.. ونترك السودان لحروب أهلية وصراعات قبلية رغم أن السودان بالنسبة لنا هو الأخطر والأبقي والأهم.. تركنا جنوب السودان عشرين عاما للحروب الأهلية التي انتهت بكارثة علي أبواب التقسيم.. وتركناه غارقا في مستنقع دارفور والمؤامرات الدولية تحيط به من كل جانب وتركناه حائرا مع تشاد وغينيا واريتريا.. ثم تركناه لشركات النفط العالمية واليورانيوم.. وأخيرا تركناه يواجه مشاكل وأزمات توزيع المياه.. كان السودان أحق بنا من كل الأطراف الأخري وكنا أحق به من كل العلاقات الخاسرة التي خضناها وبنينا عليها حسابات كثيرة في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية. والآن أفقنا فجأة بعد خراب مالطة كما يقولون وبعد ان زادت الضغوط علي الحكومة السودانية وقد كان أمرا غريبا أن يلوم الرئيس القذافي السعودية لأنها جمعت بين السودان وتشاد في اتفاقية لإصلاح الأحوال والعلاقات بين البلدين.. إن غياب الأطراف الرئيسية وخاصة مصر هو الذي جعل السعودية تفكر في الشأن السوداني وعندما كانت مصر تتقدم كان الجميع يأخذون مكانهم ومواقعهم خلفها ولا يستطيع أحد أن يتجاوز الدور المصري لأن الجميع كان يدرك أهمية هذا الدور.. لقد تركنا السودان زمنا طويلا وبعد سنوات من العزلة اكتفشنا أن هناك أخطارا كثيرة تهدد هذا الوطن الشقيق هناك مشكلات المياه والأمن والحرب والسلام والتقسيم ومن هنا كانت المحاولات الأخيرة لمواجهة ما يعانيه السودان وأرجو ألا يكون ما حدث مجرد مظاهرة سياسية مؤقتة ثم نعود إلي مواقفنا السابقة من الإهمال والعجز والتراخي.. إن السودان يأتي في مقدمة علاقات مصر الخطيرة والمهمة، ومن يعتقد غير ذلك لا يفهم دروس التاريخ والجغرافيا.