أين يذهب المدخر الصغير بأمواله؟ سؤال طرحناه في ظل الظواهر العديدة التي يشهدها السوق منها انخفاض فوائد البنوك وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات وتذبذب البورصة وأخيرا ظهور شركات توظيف أموال جديدة. خبراء الاقتصاد حذروا من اندفاع المدخر الصغير نحو شركات توظيف الأموال في ثوبها الجديد والتي تقدم الإغراءات له متمثلة في فوائد مرتفعة. طالبوا البنوك بالبحث عن أساليب تضمن بها جذب تلك الفئة وتوجيه أموالهم إلي مشروعات تساهم في تحقيق تنمية حقيقية. يقول د. محمد النجار رئيس قسم الاقتصاد بتجارة بنها إن الظروف التي تمر بها مصر الآن لا تسمح بالادخار للفئات محدودة الدخل ولكن في إطار كونه استطاع ان يوفر من دخله العادي مبالغ محدودة فإنه يجب ان يدرك ان الدولة ترعي المستثمرين ولا تهتم أو تشغل بالها بالمدخر الصغير. يوضح د. النجار ان خير دليل علي ذلك ان البنك المركزي خفض الفائدة علي الودائع :أكثر من مرة وذلك مكافأة للمستثمر حتي يجعل تكلفة الاستثمار مخفضة. كما ان السياسة النقدية دائما تنحاز للمستثمر علي حساب المدخر. يضيف أن البنوك المصرية تنحاز لكبار رجال الأعمال في عمليات منح الائتمان، أما الصغار فهم خارج الدائرة. ويستطرد د. النجار: لم يعد أمام المدخر الصغير سوي المشروعات الصغيرة كما يفعل أهل الريف من خلال شراء بعض المواشي أو التجارة في الأعلاف وتقاوي الزراعة والمحاصيل وبيعها للفلاحين في الريف والقري. أما أهل المدن فلم يعد أمامهم إلا مكاتب الاتصالات. أرباح يوم بيوم ويتفق مع الرأي السابق د. يسري طاحون رئيس قسم الاقتصاد والمالية بتجارة طنطا، مشيرا إلي أن انخفاض سعر الفائدة بالبنوك وارتفاع التضخم أدي إلي نفور المدخر الصغير من الإيداع بالبنوك حيث ان فائدة البنوك لا تزيد علي 5% ومعدل التضخم وصل 8% إلي جانب ان المودع يتعذب عند الإيداع والسحب ويضيع وقته في انتظار سحب وإيداع أمواله بالبنوك. يطالب د. طاحون البنوك بتغيير نظام الفائدة بأن تجعله يوم بيوم حتي يسهل علي المدخر الصغير ان يستفيد من هذه الفائدة في الصرف علي مطالبه اليومية. ويضرب رئيس قسم الاقتصاد بتجارة طنطا مثالاً علي قيام شركات توظيف الأموال قديما بجذب مليارات الجنيهات في أوقات قليلة جدا باتباعها نظاماً سهلاً للإيداع وصرف الفائدة. أما الدكتور محمد عبد الحليم عمر أستاذ المحاسبة بتجارة الأزهر ومدير مركز صالح كامل بجامعة الأزهر فيري ان الأجهزة الرسمية المسئولة في مصر مهمتها الأساسية تجميع المدخرات أما مسألة توظيف هذه المدخرات فهو أمر صعب. ويشتكي د. عبد الحليم من عدم وجود وسيلة جيدة يستثمر فيها أمواله ويري ان السبب في ذلك اننا نفتقد إلي البنوك المحترفة التي تقوم بالتشغيل الجيد للأموال الصغيرة. يطالب بأن تقوم البنوك بدور مهم في تحويل كل رواتب الموظفين إليها وهو يحدث في بعض الدول العربية المجاورة ومن هذه المرتبات يمكن ان يستغني الموظف عن جزء من راتبه كإدخار وعن طريق عرض المنتجات المصرفية الجيدة من البنوك يمكن جذب شرائح جديدة. رفع الفائدة ويتفق مع الآراء السابقة خبراء البنوك ويؤكد د. محيي الدين علم الدين عضو اللجنة القانونية باتحاد البنوك ان فائدة البنوك المصرية للعملة المحلية أصبحت الآن أقل من فائدة العملة الأجنبية "الدولار" حيث إن فائدة العملة المحلية أصبحت 5% أما فائدة الدولار أصبحت 5.5%. ويضرب مثالا لرفع الفائدة في بعض الدول وجذب صغار المدخرين وهي ان الحكومة الفرنسية في فترة حكم ديستان وبداية حكم ميتران رفعت الفائدة علي الفرنك الفرنسي إلي نحو 65% وبدأت في الانخفاض إلي ان وصلت إلي 10%.. لذلك كان المدخر الصغير يجد المكان المناسب للإدخار لأمواله وبالمثل حدث ذلك في فترة د. عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق حيث بلغت الفائدة علي الجنيه المصري 19% وعلي الدولار تراوحت من 15 إلي 17% مما جعل البنوك تحصد أموالا ضخمة وسيولة من المدخر الصغير مما ساعد علي عملية الرواج في الأسواق وإنشاء المشروعات ونهضة في الاستثمارات فاقت أي وقت من الأوقات.