تخيل لو أن اَسيا التي يعيس نحو 20% من سكانها علي أقل من دولار في اليوم قد استطاعت أن تتخلص من هذه الوصمة بل أن تتخلص من الفقر كليا في عام 2020 لاشك أن هذا الإنجاز سيتوج حالة الرواج التي تعيشها القارة الاَسيوية التي بدأت بنهوض اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ويقودها الاَن النمو الفعال لكل من الصين والهند.. وتقول مجلة "نيوزويك" إن هذا أمر ممكن. ففي تقرير جديد أعدته لجنة من كبار الخبراء تضم نوبويوكي إيداي الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة سوني إلي جانب لورنس سومرز وزير الخزانة الأمريكي السابق يتضح أن اَسيا يمكن بالفعل أن تتخلص من الفقر إذا ما غيرت نفسها.. وعنوان التقرير هو "نحو بنك اَسيوي جديد للتنمية في اَسيا جديدة" وفكرته الرئيسية هي أن النمو وحده لا يكفي بل لابد أيضا من التغيير.. فنموذج التنمية الحالي الذي تتبعه اَسيا يعتمد بشكل مبالغ فيه علي الصناعات التصديرية، وقد جعل المنطقة مفعمة بسيل من الاحتياطيات الأجنبية التي تجهد أنظمتها المالية الضعيفة، ومثقلة بفوارق متزايدة في الدخل إلي جانب انتشار التعرية البيئية.. وهذه كلها مجرد اَثار جانبية لسياسات تستهدف تحقيق أكبر معدل ممكن للنمو سنويا مهما كانت التكاليف. ويقول سوباتشاي بانتشباكدي السكرتير العام لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية ورئيس منظمة التجارة العالمية فيما بين 2002/2005 إن اَسيا عليها أن تعالج أنواعا مختلفة من المشكلات المرتبطة بهذا النمو السريع.. وهذه علي أية حال ليست صرخة ضائعة في البرية. فالنواقص الناجمة عن استراتيجيات التنمية التقليدية في اَسيا برزت في المنطقة بقوة خلال السنوات الأخيرة.. وعلي سبيل المثال فإن حكومة اليمين الهندي خسرت انتخابات عام 2004 رغم أنها كانت تحقق معدل نمو 8% سنويا بسبب غضب الناخبين العميق من تزايد الفجوات بين الريف والمدن.. كذلك فإن القادة من جاكرتا حتي بكين تولد عندهم شعور بأنهم يمكن أن يدفعوا ثمنا باهظا لعدم قدرتهم علي جعل ثمار الرواج في متناول عدد أكبر من الناس.. بل إن ما تعانيه القارة من مشكلات بيئية مثل تسمم مياه الأنهار والضباب الناجم عن الدخان ونقص الطعام بسبب سخونة الكرة الأرضية، كلها ظواهر تؤكد أن اَسيا "تنمو أولا ثم تنظف فيما بعد" وهذه عقلية يجب أن تتغير ومن أجل حدوث هذا التغيير يتعين تصحيح السياسات التي تتبعها الحكومات الاَسيوية، إلي جانب تصحيح السياسات التي يتبعها بنك التنمية الاَسيوية أيضا.. فالمسألة ليست مجرد بناء طرق أو محطات كهرباء تاركين المناطق الفقيرة تعاني في البحث عن طرق لتمويل المشروعات الريفية أو إيجاد فرص عمل خارج قطاع الزراعة أو تحسين مستويات المعيشة حيث يقول التقرير إن جدول أعمال التنمية يحتاج إلي أن يكون اقليميا بأكثر مما هو قومي وأن يستوعب التصحيحات المطلوبة لا أن يؤجلها. وتقول الأرقام إن الاحتياطيات الأجنبية في دول اَسيا صارت تناهز ال 3 تريليونات دولار وأن كثير منها يتم إقراضه لدول أوروبا والولايات المتحدة لتغطية أو بالأحري تمويل استهلاكها المدين.. أي إن هذه الأموال تستفيد بها لندن ونيويورك بأكثر مما تستفيد طوكيو وهونج كونج وسنغافورة. ويعترف التقرير بأن إبقاء جزء كبير من هذه الاحتياطيات في اَسيا واستخدامها استخداما منتجا مسألة ليست سهلة.. فالبنوك خاصة في الصين يجب أن توسع سياسات الإقراض لتشمل المشروعات الصغيرة والمستهلكين.. والهند تحتاج إلي أن تغير قوانينها لتسمح للمستثمرين بمعدلات ربح أكبر علي المشروعات التي تحتاجها في البنية الأساسية مثل الطرق والسكك الحديدية والمواني والطاقة.. كذلك يجب أن تنضج أسواق السندات الاَسيوية إلي درجة تسمح للشركات والمؤسسات مثل بنك التنمية الاَسيوي نفسه من المدخرات المحلية لتمويل ما نقوم به من مشروعات. وهنا يقول جوستين ييفولين مدير مركز الصين للأبحاث الاقتصادية بجامعة بكين إن كل الدول الاَسيوية تقوم الاَن بتصدير رأس المال إلي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لأنها تفتقر إلي أسواق مالية متقدمة. وعموما فإن التنمية الاَسيوي يضع العديد من البرامج لتطوير الأنظمة المالية الاَسيوية، وقد اقترح التقرير فكرة جريئة وهي أن يقوم بنك التنمية الاَسيوي نفسه باستثمار جزء من هذه الاحتياطيات الاَسيوية وفي الأشهر الأخيرة دعا كثير من الاقتصاديين إلي استثمار تلك الاحتياطيات في الداخل بدلا من استخدامها في شراء أذون وسندات الخزانة الأمريكية. وعموما فإن الحلول الراديكالية ليست مطلوبة خاصة في مجال المال وهنا يقول التقرير إن القادة الاَسيويين لو أحسنوا التصرف يمكنهم الوصول بمتوسط دخل الفرد في اَسيا إلي 8 اَلاف دولار سنويا عام 2020.. وفي نفس السنة سيرتفع نصيب اَسيا إلي 45% من جملة النشاط الاقتصادي العالمي بدلا من 35% حاليا.. والمؤكد أن الدول الاَسيوية الكبيرة ذات معدل النمو السريع مثل الصين والهند هي التي ستحدد مصير اَسيا وليس أية مؤسسات خارجية وبعبارة أخري نستطيع القول بأن القضاء علي الفقير الاَسيوي صار أمرا في يد الاَسيويين أنفسهم وليس في يد أي طرف اَخر خارج القارة.