يعاني الشارع المصري من خلل كبير في منظومة الغذاء الآمن فبعيداً عن أزمة الألبان المغشوشة التي اشتعلت خلال الأيام الأخيرة فإن الحقيقة تشير إلي أن 80% من سلوكيات غذائنا خاطئة وتعاني من التلوث والأمراض الصامتة التي تقتل المصريين بالموت البطيء. وبعيدا عن الإصلاح الاقتصادي وبرامج إعادة الهيكلة فإن الحديث لابد ان يشمل أيضا إعادة هيكلة فكر وسلوك الشارع المصري والذي يعاني من تدهور شديد، مع استمرار الصمت علي تفشي أوبئة ناتجة عن عربات الفول والكبدة المجهولة المصدر وجميع أنواع بيع السندوتشات والتي اتسعت رقعتها بداية من الأزقة والأحياء الشعبية ووصولا إلي المناطق الراقية بالإضافة إلي وجود المطاعم الصغيرة واحيانا المشهورة، والتي لا تحترم ضرورة حصول المواطن علي أبسط حقوقه من غذاء نظيف وخدمة نظيفة. ورغم ان عربات الأطعمة موجودة في كل شوارع العالم.. حتي المتقدم منه إلا أن الفروق في الجودة والمراقبة الصحية كبيرة بيننا وبينهم فمحلات الفول والطعمية علي سبيل المثال تقدم أطعمة خطيرة يمكن ان تسبب أمراضا كالسطران من خلال الاستخدام المفرط للزيوت في إعداد الطعام حيث إن هذه الزيوت تحدث لها عملية هدرجة كيميائية وتصبح جاهزة لتنشيط الخلايا السرطانية للانقسام العشوائي.. ليس ذلك فقط بل إن بعض المطاعم المشهورة قد تقدم لك الطعام ويفاجأ "المواطن" في النهاية بعد الانتهاء من الوجبة الدسمة ان هناك حشرات بداخلها.. أما الخدمة في المطاعم فهي قضية أخري حيث تشهد تدنيا ملحوظا من غير المختصين من العمالة الرخيصة والتي لا تكترث بصحة المواطن مستخدمين من الشهادة الصحية شماعة لتعليق جهلهم عليها خصوصا ان هذه الشهادة أصبحت تمنح لكل من هب ودب بدون شروط واضحة وأصبحت بمثابة حصانة للباعة الجائلين أمام كل من يقترب منهم. إن ما يحدث الآن لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يأخذ من ارتفاع أعداد السكان وارتفاع الأسعار حجة وذريعة لانتشار هذه العشوائيات التي توضح دراسة لإحدي الجمعيات ان عربات الشارع مسئولة عن نصف غذاء المصريين، حيث يعتمد عليها العمال والموظفون وأطفال المدارس وطلبة الجامعات في افطارهم وغدائهم واحيانا في الوجبات الثلاث. الكسب السريع ففي جولة "الأسبوعي" في الشارع المصري لاحظنا ان عربات الفول والكبدة المتجولة أصبحت جزءا لا يتجزأ من ملامح الشارع المصري والتي تعتبر من مشروعات الكسب السريع حيث اصبحت بيزنس خاصا يلقي رواجا بين شرائح كبيرة من المجتمع المصري فتكاليف هذه العربات تتراوح ما بين 1000 جنيه في الأحياء الشعبية 4000 جنيه في الاحياء الراقية حتي تتسق مع نوعية الجمهور الذي تقدم له الخدمة إلا أن التلوث والموت البطيء هما سمة مشتركة للنوعين حيث تقف هذه العربات في أي مكان في الشوارع لتكون مركزاً لنشر السموم والتلوث إلي أكباد ومعدات المواطنين اضافة إلي المناظر غير الحضارية التي تسببها للعاصمة الكبري وعموما فإن أرباح هذه العربات هائلة قد تتجاوز 5000 جنيه في الشهر وذلك علي حساب صحة المصريين الذين اعتادوا حمل المتاعب في معدتهم واكبادهم. اما دور المسئولين في مجالس الاحياء والمعنية بمحاربة الظاهرة فهو دور غير واضح المعالم فهو عبارة عن مشاركة الباعة الجائلين في "السبوبة" حيث تبدأ بعمل الحملات المفاجئة وجمع العربات المتجولة وتنتهي بمرحلة مصالحة البائع حتي يتم الافراج عن العربة التي تم القاء القبض عليها من خلال دفع مبلغ يخضع لتقدير الموظف المختص والذي يغالي في دفع رسم المصالحة حتي ترتفع نسبته التي يقرها القانون له ويتم تحويل بقية المبلغ الي خزينة الدولة وهذا هو الطريق الشاق. كبدة.. وفول وطعمية احدي عربات الكبدة شاهدناها خلال جولتنا وقد وقفت شامخة في احد مناطق المعادي بجانب سور قديم ولدي الاقتراب منها شاهدنا العربة وبجانبها دلوان الأول يحمل مياها ملوثة تستخدم في طهي الكبدة اضافة إلي دلو قذر يحمل مخلل غير صالح للاستهلاك وعليه تتجمع الحشرات ولدي سؤال صاحبها وهو عماد حجازي 35 سنة بادر بالاجابة سريعا: معي شهادة صحية "وكل حاجة تمام" واوضح انه حريص علي النظافة ولكن أهم عبء يواجهه هي "اتاوات البلدية" علي حد تعبيره. اما المحطة التالية ل "الأسبوعي" فكانت في أحد المطاعم الخاصة بالفول والطعمية حيث تم افتراش الارض بنشارة خشب واشار صاحب المحل الي ان تلك النشارة هي لزيادة النظافة. استقبلنا فريق العمل والذي يرتدي الزي الرسمي وهو عبارة عن قميص كان ناصع البياض لكنه تحول إلي بقع واضحة من الزيت جعلته اشبه بقميص مزركش، اما البنطلون فهو مرفوع للركبتين وينتهي الأمر بحذاء دورة مياه تخرج منه اصابع ملطخة بالشحم.. جلسنا علي منضدة في احدي جوانب المحل وكانت مشحمة ناهيك عن عبق الابخرة الذي يملأ المكان من القدر الذي تعد فيه الطعمية المليء بالزيت البني الداكن اللون من فرط تكرار استخدامه. اما المنصة الرئيسية فتحمل ما لذ وطاب من المأكولات من البيض المقلي والباذنجان الداكن اللون من جراء الوقت الطويل الذي مر عليه منذ اعداده بالاضافة إلي أصوات الذباب التي تتعالي في الركن الهاديء خصوصا مع ميل درجات الحرارة إلي الارتفاع وهو موسم تكاثر الذباب وموسم الأمراض المعوية الذي ينتظره المصريون كل عام الأمر الذي يعكس مدي الاستهتار بصحة المواطن المصري تحت شعار العبارة المأثورة "خليها علي الله" و"ميهمكش.. المعدة حديد..تطحن الزلط"! في جولة أخري كانت هذه المرة في منطقة فيصل وكانت مع احدي عربات الفول والتي زينها صاحبها بآلاف العبارات والشعارات بداية من "كل واشكر" و"يا ناس ياشر كفاية قر" انتهاء بشكر إدارة المعلم رزق.. وكان الحديث مع محمد شعبان 27 سنة المشرف علي احدي عربات المعلم والذي أبرز الشهادة الصحية بيديه الداكنة اللون ذات الأظافر الطويلة المحشوة بكل ما تتخيله من الجراثيم والذي أوضح أن المعلم له 4 عربات فول موزعة في جميع أنحاء المنطقة حيث يتم تسويق البضاعة يوميا من خلاله هو وزملائه ثم يتم اعادة العربات إلي المحل الذي هو المقر الذي تعود إليه العربات في آخر اليوم وذلك بعد انتهاء العمل أما عن الأرباح فهي مضمونة فالعربات الأربع تدر دخلا شهريا صافيا يقدر ب4500 جنيها بعد استقطاع أجود المشرفين وايجاد المحل وغرمات أو اتاوات وغارات البلدية علي حد وصف أحد المشرفين. الكشري وفي جولة أخري في أحد محلات الكشري الشهيرة في منطقة الجيزة والذي يلقي توافد أعداد كبيرة من الزبائن علي مأكولاته من المكرونة والكشري كانت المفاجأة غير السعيدة..عندما شرعت سيدة في الصراخ بطريقة هستيرية توجه إليها "الجرسون" مهدئا لتكشف السيدة عن وجود صرصار في طبق الكشري!! وربما المفاجأة الأغرب في رد "الجرسون" الذي نزل علينا كالصاعقة عندما قال: "يا مدام ده رز محروق كملي أكلك!!. أما السيدة فخرجت هائمة علي وجهها بعد تناول هذه الوجبة ثم جاء احدهم وقال للجمهور "يا جماعة دي ست كدابة وعميلة لأحد المحلات المنافسة مافيش صرصار ولا حاجة"