وصفتهم مجلة "الإيكونوميست" منذ وقت مبكر بأنهم ملوك الرأسمالية الجدد لأن امبراطوريتهم تنمو بسرعة من حيث الحجم والقوة والسمعة.. إنهم قادة شركات التخارج الذين بلغ حجم عملياتهم في أوروبا وأمريكا في العام الماضي نحو 440 مليار دولار بعد أن كان حجم هذه العمليات لا يتجاوز ال50 مليار دولار في عام 2001 أي إنها زادت 9 أضعاف تقريبا في خمس سنوات فقط. وبجانب ذلك، فإن حجم بعض صفقات التخارج قد تضخم، وصار بعشرات المليارات من الدولارات مثل صفقة بلاكستون جروب لشراء إيكوتي أوفيس بروبرتيز مقابل 39 مليار دولار وهي الصفقة التي تمت في شهر فبراير الحالي. وفوق ما تقدم، فإن طموح شركات التخارج صار يتجه إلي كل أنواع الشركات ولم تعد هناك سوي شركات قليلة بمأمن من هذا الطموح حتي أن متاجر سنسبري البريطانية أصبحت هي الأخري في مرمي نيران شركات التخارج بل إن هناك من يتحدث بجدية عن رغبة شركات التخارج في شراء كل من IBM وديل شركتي الكمبيوتر الكبيرتين في أمريكا والعالم. ونحن نعرف أن شركات التخارج إذا اشترت شركة مسجلة في البورصة فإنها تخرجها منها.. وهذا يعني أن صعود شركات التخارج يأتي علي حساب عدد الشركات المسجلة في البورصات التي تتجه إلي التناقص.. وربما لهذه الأسباب وغيرها فإن النقد الحاد يوجه كل يوم إلي نشاط شركات التخارج.. ومع ذلك فإن قادة شركات التخارج الكبري مثل ستيف شوارزمان رئيس للاكستون جروب وديفيد روبنشتاين رئيس كارلايل جروب وجلين هوتشنز رئيس سيلفرليك بارتنرز قد عوملوا معاملة الملوك في المنتدي الاقتصادي العالمي بدافوس سويسرا يناير الماضي. ولكن قبل أن نسلم بأن كبر الحجم ميزة في عالم شركات التخارج علينا أن نتذكر أن ملوك الرأسمالية الجدد ليسوا بمأمن من التقلبات المعتادة في مختلف الأسواق.. إنهم ربما قد تخلصوا من السمعة السيئة التي التصقت بهم منذ عشرين سنة عندما صدر كتاب "البرابرة قادمون" عن معركة شركة التخارج كوهلبرج كرافيز روبرتس KKR لشراء شركة RJR نابيسكو ولكن تحولهم من برابرة إلي ملوك في 20 عاما لم يكن علي أية حال عملية سهلة أو ميسرة. ففي ثمانينيات القرن الماضي بدأ ازدهار شركات التخارج ولكن هذه الشركات سرعان ما اكتشفت أنها في كثير من الصفقات قد اشترت الترام علي حد التعبير المصري الدارج.. لقد اكتشفوا أنهم دفعوا في بعض الصفقات أعلي مما تستحق.. وجفت أمامهم أسواق الائتمان التي كانوا يغترفون منها ما يريدون من أموال بل إن بعض مموليهم "مثل ميخائيل ميلكين ملك تجارة السندات" قد انتهوا إلي السجن وزاد الطين بلة أن أهم صفقاتهم الإجبارية قد خضعت للرفض من جانب السلطات الحكومية المختصة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن أحدا الاَن حتي من المنتقدين لا يتوقع احتمال تكرار هذا السيناريو المشئوم ومع ذلك فإن الانتقادات لا تتوقف. فالنقابات تتهم شركات التخارج بزيادة البطالة عن طريق الاستغناء عن العمالة كوسيلة لخفض التكاليف في الشركات التي يقومون بشرائها وتعويمها.. والسلطات الحكومية في بريطانيا والولايات المتحدة مهتاجة من أساليب عمل شركات التخارج لأن بعضها في نظر الأمريكيين قد ينطوي علي خرق لقوانين مناهضة الاحتكار. ويستعد بارني فرانك الرئيس الديمقراطي للجنة الشئون المالية في مجلس النواب الأمريكي لعقد جلسات استماع حول أنشطة شركات التخارج. أما حملة أسهم الشركات التي تشتريها شركات التخارج فيرون أنهم طرف مغبون لا محالة في صفقات التخارج حيث تباع شركاتهم أحيانا بأسعار بخسة، فضلا عن خروجها من البورصة وهو ما يهدد مصالحهم في الصميم. وعموما، فإن ملوك الرأسمالية الجدد قد بدأوا الرد علي هذا الهجوم، وشكلت شركات التخارج الأمريكية في ديسمبر الماضي مجلسا للدفاع عن أعمالها وهناك هيئات شبيهة تقوم بنفس الدور علي الجانب الأوروبي من الأطلنطي. ويقول روبنشتاين رئيس شركة كارلايل إن عمل شركات التخارج ليس فيه ما يخجل وأن معظم الأموال التي تصنعها هذه الشركات تذهب إلي صناديق المعاشات وأنهم يوجدون الكثير من فرص العمل ويدفعون ما عليهم من ضرائب.. والأهم من ذلك أن دور شركات التخارج يجري لصالح الشركات المشتراة ولصالح الاقتصاد الوطني في مجموعه. ويؤكد هنري كرافيز رئيس KKR أن استثمارات شركات التخارج توجد القيمة وتقدم العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية وتزيد التشغيل والابتكار وعمليات البحث والتطوير، وفي السنوات الثلاث الأخيرة كان عائد شركات التخارج أفضل من عائد شركات مؤشر استاندارد اند بورز ،500 وربما كان هذا هو السبب في تدفق الأموال علي الاستثمار في أنشطة هذه الشركات. وتوجد الاَن نحو 2700 شركة تخارج تدير أصولا حجمها 500 مليار دولار.. ومنذ عامين فقط كان أكبر صندوق متعامل في تمويل صفقات شركات التخارج لا يزيد رأسماله علي 6 مليارات دولار، أما الاَن فيوجد صناديق من هذا النوع حجمها يصل إلي 20 مليار دولار.. وربما كانت نقطة الضعف القاتلة في عمل شركات التخارج أنها تستدين بكثافة من أجل تمويل صفقاتها وإذا فشلت يوما في تقديم عوائد مجزية أو سداد ما عليها من ديون فسوف تنقض عليها السلطات الحكومية دون رحمة دفاعا عن أموال المستثمرين.