بلغ حجم ما أعلنته شركات العالم من صفقات اندماج يوم الاثنين 20 نوفمبر الماضي 75 مليار دولار ولذلك لن تكون هناك مبالغة إذا أسمينا هذا اليوم "يوم الاندماج" وخلال نفس الأسبوع أعلنت شركة كانتاس الاسترالية للطيران أنها تلقت عرضا بشرائها من مجموعة يقودها بنك وشركة تخارج مقابل 11 مليار دولار استرالي "8.5 مليار دولار" وبهذه الصفقة الأخيرة سجلت موجة الاندماج الجنونية في عام 2006 رقما قياسيا جديدا يفوق الرقم الذي سبق أن سجلته الموجة السابقة في عنفوانها عام 2000 الذي بلغ 3.33 تريليون دولار وكان ذلك في ذروة جنون شركات الدوت كوم. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هناك فوارق كثيرة تميز موجة انتعاش الاندماجات في عام 2006 عن موجة عام ،2000 وأول هذه الفوارق أن الصفقات لا تميل في اتجاه أمريكا فقد كان نصيب السوق الأمريكي من موجة الاندماجات السابقة 46%، أما نصيبه من موجة الاندماجات الحالية فلا يتجاوز ال37% وهو أقل من نصيب أوروبا التي تصعد بقوة في سوق الاندماجات وذلك حسب أرقام شركة البيانات ديلوجيك. ورغم أن اَسيا لاتزال ذات نصيب محدود من الاندماجات فإن الفجوة بينها وبين الاَخرين في هذا الشأن تضيق.. وعلي عكس الموجة السابقة التي قادتها شركات الاتصالات والتكنولوجيا العالية فإنه لا يمكن الإشارة إلي صناعة بعينها باعتبارها قائدة لموجة الاندماجات الحالية.. وعلي سبيل المثال، فإن صفقات الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 20 نوفمبر كانت موزعة بين صناعات عديدة تشمل الممتلكات والنحاس والطيران وصناعة المال. كذلك فإن طريقة دفع قيمة الصفقات في موجة الاندماجات الحالية تختلف عن سابقتها.. فالدفع هذه المرة معظمه نقدا في حين تراجع دور الأسهم كوسيلة مفضلة في الدفع كما كان الحال في موجة عام ،2000 ويرجع السبب في ذلك إلي أن الائتمان الرخيص أصبح هو الذي يقود السوق.. فمع انخفاض أسعار الفائدة أصبح علي الشركات أن تمول نفسها عن طريق الاقتراض وليس عن طريق الأسهم. ومن مميزات موجة الاندماج الحالية أيضا دخول شركات التخارج فيها بقوة كمشتر.. فمنذ أيام، عرضت شركة التخارج بلاكستون 36 مليار دولار وهو أكبر عرض من نوعه في الأيام الأخيرة لشراء شركة الممتلكات العقارية إيكو تي أوفيس بروبرتيز وهو عرض يتضمن استدانة لسداده. وقد أصبحت الاستدانة كما قلنا عملية شائعة في سداد قيم صفقات الاندماج، فالصفقة التي ستصنع أكبر شركة منتجة للنحاس في العالم التي أعلنت قبل نهاية نوفمبر وبلغت قيمتها 26 مليار دولار سيتم سداد جزء كبير منها عن طريق الائتمان. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هناك مع ذلك مخاوف من حدوث حمام دم إذا تغيرت فجأة الظروف الراهنة الناجمة عن الائتمان الرخيص وانخفاض عوائد السندات إلي أدني مستوياتها منذ ربع قرن. ولكن خبراء الاندماجات يسودهم التفاؤل ويستبعدون التغيرات الفجائية.. وعلي سبيل المثال، فإن جوردون ديال مسئول الاندماج والاكتساب في جولدمان ساكس ينبهنا إلي انخفاض حجم الاندماجات الحالية كنسبة مئوية من إجمالي قيمة البورصة عما كان عليه الحال في موجة عام ،2000 كما ينبهنا إلي أن أرباح الشركات تزيد بمعدل أكبر من معدل ارتفاع أسعار الأسهم بعكس الحال في الموجة السابقة أيضا. باختصار، يمكن القول إن موجة الاندماجات الحالية صارت أكثر تعقيدا من سابقتها حيث انتشرت فيها عروض الشراء غير المغوية، بينما كانت اندماجات الدوت كومز عام 2000 تتم بعواطف مشبوبة ورغبة عارمة، وعلينا أن نذكر أن عروض الشراء الإجباري عام 2000 لم تتجاوز نسبتها ال2% في حين أنها ارتفعت في الموجة الراهنة إلي 11% بينما كانت في عام 2005 في حدود 10%، أي إنها ترتفع وتواصل الارتفاع وأحد أسباب تزايد هذه الاندماجات بالإكراه هو زيادة نفوذ حملة الأسهم وهي فئة قليلة الصبر وتسعي ولو عنوة إلي تحقيق ما تراه من مصالحها.