يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاليا بجولة في المنطقة بدأت بزيارة دول خليجية لم يكن متصورا قبل عقدين أن يكون هناك حديث عن صداقة وتعاون بينها وبين روسيا التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق. غير أن "جمهورية روسيا الاتحادية" حاليا هي أكبر الجمهوريات الخمسة عشرة التي تمخضت عن انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 والذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية. وهذه الجمهورية تسعي الآن لإقامة نظام اقتصادي يعتمد علي السوق، ولم تعد توجهاتها الخارجية قائمة علي الأيديولوجية بقدر ما أصبحت قائمة علي لغة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، وهي لغة الخطاب السائدة منذ انتهاء الحرب الباردة. ومن ثم لم يكن مستغربا أن يلقي بوتين استقبالا دافئا حافلا في المملكة العربية السعودية، التي لم يتعامل مسئولوها معه باعتباره وريثا للاتحاد السوفيتي الذي لم يكن يحلو لهم وصفه إلا بأنه امبراطورية الكفر والإلحاد، وإنما تذكرت وسائل الإعلام والمسئولون في السعودية ان الاتحاد السوفيتي كان أول دولة تعترف بحكومة المملكة العربية السعودية. حيث إنه في 16 فبراير عام 1926 سلم كريم حكيموف قنصل روسيا السوفيتية إلي الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود مذكرة اعتراف الحكومة السوفيتية بكيان الدولة الجديد في شبه الجزيرة العربية، وكان ذلك مدخلا للحفاوة التي استقبل بها الضيف الروسي. ولم يقل استقبال بوتين في قطر بأقل حفاوة، وهكذا. ولا شك أن لغة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية أصبحت تحتم علي الدول العربية الانتباه إلي ضرورة تنويع حافظة مصالحها الاقتصادية بحيث لا تستمر في وضع البيض كله في سلة الغرب وحده في ظل هيمنة طاغية للقطب الأوحد، الذي لم يترك فرصة تمر إلا ونبهنا بتصرفات ملموسة علي أرض الواقع إلي ان وضع أوراق اللعبة الاقتصادية كلها في يده له مخاطره علي استقلال الإرادة السياسية لكل من ساروا في فلكه. وإذا كان التعاون السوفيتي العربي حتي الثمانينيات من القرن الماضي اصطبغ بوجه عام بالصبغة الأيديولوجية التي كان سمة حقبة الحرب الباردة، وكان من أبرز منجزاته الاقتصادية إنشاء السد العالي في مصر ومجمع توليد الكهرباء علي الفرات بسوريا ومجمع الحديد والصلب في مصر والجزائر والمشروعات الأخري الاستثمارية الكبيرة في اليمن والمغرب وليبيا والسودان وتونس والعراق وغيرها من البلدان العربية، فإن التعاون السوفيتي في مجال الاقتصاد والبناء العسكري لبعض البلدان العربية لم يكن من قبيل المساعدات الإنسانية والأيديولوجية بشكل كامل. فعن طريق الواردات من الدول العربية غطي الاتحاد السوفيتي احتياجاته من واردات الخامات والسلع من النفط والبلح "بنسبة 100%" ومن غزل القطن والبرتقال "بنسبة 70%" ومن العطور وأدوات التجميل بنسبة خمسة وعشرين في المائة. إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتقال روسيا إلي اقتصاد السوق تعثرت العلاقات التجارية والاقتصادية مع العالم العربي. وبذلك حرمت روسيا من أنواع كثيرة من السلع والمنتجات الضرورية لاقتصادها والتي كانت تحصل عليها من بعض البلدان العربية. وبدا الاقتصاد الروسي وكأنه في وضع لا يسمح له بتصدير المعدات والكثير من المنتجات التي حجزتها العديد من الشركات العربية بسبب الأزمة التي ألمت بالاتحاد الروسي. وأدي انتقال روسيا إلي اقتصاد السوق إلي تغيير توجهات التجارة الخارجية الروسية تماما في اتجاه البلدان الغربية وتحديدا الأوروبية. وعلي ذلك فتحت الأسواق الروسية علي مصراعيها أمام السلع الغربية، الأمر الذي شكل صعوبة تنافسية كبيرة "لم تكن موجودة في العهد السوفيتي" في وجه المنتجات العربية. ومن أبرز الأمثلة علي ذلك ما تواجهه الأقطان والملابس الداخلية المصرية من منافسة حادة ليس فقط من قبل منتجات الدول الأوروبية في السوق الروسية بل ومن قبل المنتجات التركية والباكستانية والهندية والصينية وغيرها. الأمر الذي ينطبق أيضا علي السلع الغذائية من الدول العربية.