دخلت أسواق البترو ل العالمية هذه الأيام مرحلة الخطر الحقيقي بعد التذبذب الشديد الذي تشهده أسعار الخام عالميا، فبعد ان جاوزت أسعاره في الربع الثالث من العام الماضي 2006 مستوي 78 دولارا للبرميل ثم انخفاضه خلال الأشهر الأخيرة الي مستوي 50 دولارا للبرميل رغم تدخل أوبك لخفض الإنتاج مرتين، أصبحت السوق بعيدة عن السيطرة فتارة تثير القلق لدي لمنتجين وتارة اخري تثير الفزع لدي المستهلكين. وما بين المنتج والمستهلك تبقي سيناريوهات الأزمة القادمة في أسواق البترول العالمية، فالمنتجين تعودوا ووضعوا خططهم التنموية علي أسعار معقولة لا تقل عن مستوي 50 دولارا للبرميل، أما المستهلكين فيسعون الي الحصول علي النفط بأقل سعر ممكن وبشتي الوسائل دون النظر لاي اعتبارات اخري. سيناريوهات الكارثة .. وفي هذا الاطار توضح آخر التقارير والدراسات الصادره عن شركة دوجلاس - وستوود الاستشارية والتي تتخذ من لندن مقرا لها، أن الإنتاج العالمي للبترول سيصل إلي ذروته في عام 2010م ثم سيبدأ بالانخفاض بعد ذلك حتي يتم نضوبه ، وهذا ما يقود الي المزيد في ارتفاع الأسعار في السنوات المقبلة , الأمر الذي سيؤدي إلي كارثة اقتصادية في شتي أنحاء العالم، فسوف تتضاعف أسعار البترول بمقدار مرتين أو ثلاثة خلال الأعوام المقبلة عندما سيبدأ العالم بالتحول من مرحلة زيادة الإنتاج إلي بدء النضوب. وتشير التكهنات الي ان كمية البترول المكتشفة حالياً, بالإضافة إلي الكميات التي سيتم اكتشافها فيما بعد, لا تتوافق حتي مع الاستهلاك الحالي البالغ حوالي 74 مليون برميل يومياً, فكيف إذا زاد هذا الاستهلاك في المستقبل؟ فزيادة الطلب علي البترول بمقدار 1% سنوياً ستؤدي إلي وصول الإنتاج العالمي إلي ذروته والبالغة 83 مليون برميل يومياً في عام 2016م. أما إذا بلغ نمو الطلب العالمي علي النفط 2%, فإن ذروة الإنتاج ستكون في عام 2011م عندما يصل الإنتاج إلي 87 مليون برميل يومياً. أما إذا نما الطلب بمقدار 3% فإن إنتاج البترول العالمي سيبلغ ذروته في عام 2006م! وإذا بقي الطلب علي البترول علي حاله خلال السنوات القادمة فإن ذلك يؤخر بلوغ إنتاج البترول ذروته إلي عام 2022م. ويستخلص من هذا أن الربع الأول من هذا القرن سيشهد بداية النهاية لعصر النفط, وان الدور الكبير الذي ستلعبه دول أوبك في المستقبل والتي ستزيد حصتها في الأسواق العالمية من 30% حالياً إلي 40%. ما مدي صحة هذه التوقعات؟ إن الزمن وحده كفيل بالإجابة علي هذا السؤال, ولكن هناك بعض الأمور التي ينبغي أن تذكر في هذا السياق أهمها أنه لو صدقت صحة هذه التوقعات فماذا سيكون موقف دول وشعوب دول الخليج في عام 2010, بعد 3 سنوات من الآن؟ ولكن هناك أمرا آخر يجب أن لا ننساه أيضاً وهو أن فكرة نضوب النفط بدأت في أواخر القرن التاسع عشر. وعندما زاد إنتاج النفط في العشرينات ظهرت توقعات بانتهاء النفط في الثلاثينات, ولما لم ينته النفط, ظلت هذه التكهنات تظهر باستمرار سنة بعد سنة, خاصة في السبعينات. ويذكر أن وكالة المخابرات الأمريكية أصدرت تقريراً في السبعينات مفاده أن آخر قطرة من النفط ستستخرج في عام 1992م. كما أصدرت دول نادي روما تقريراً في نفس الفترة مفاده أن النفط سينتهي في منتصف التسعينات من القرن الماضي. نحن الآن في عام 2004م وننتج كميات من البترول لم يشهدها التاريخ من قبل, أما الاحتياطيات فإنها وصلت إلي مستويات لم يشهدها التاريخ أيضاً. ويفسر هؤلاء الذين يؤمنون بنضوب النفط في المستقبل القريب عدم اهتمام الحكومات بتنبؤاتهم ب"المؤامرة". فهم يعتقدون أن هناك مؤامرة بين المخابرات الأمريكية ودول أوبك وشركات النفط وهيئة المساحة الأمريكية لإخفاء الكمية الحقيقية لاحتياطيات النفط العالمية. سيناريو آخر ... الا ان هناك من الخبراء ما يري انه من الصعب ان تحدد بدقة هذا الموعد الحاسم والمصيري الذي يعني علي الارجح بداية عهد من الاسعار المرتفعة جدا للبترول ، وذلك بسبب قلة الارقام التي يمكن الركون اليها والتحديدات الملتبسة في الغالب ومنها علي سبيل المثال ما يمكن ان يسمي احتياطيات او مصادر. اضافة الي ذلك فان مفهوم الاحتياطي مفهوم ديناميكي بفعل الاكتشافات التي تزيد منه سنة بعد سنة في ضوء التكنولوجيا الجديدة للتنقيب عن الخام واستخراجه واعادة النظر في ما يخفيه باطن الارض. والتقديرات بالنسبة للذروة تتراوح بين عامي 2004 و2048 لكن المتوسط هو عام 2020 وهو يقوم علي الاحتياطي المؤكد في العالم ويبلغ 1050 مليار برميل، وهذا يعني انتاجا متزايدا حتي عام 2050 وهو انتاج لا يفي بنصف الحاجات. وبموجب هذا الطرح فان انتاج البترول سيستمر حتي نهاية القرن الواحد والعشرين. امام هذه الرهانات الكبري يؤخذ علي الحكومات والشركات النفطية انها تخفي الحقيقة عن العالم لاسباب سياسية واقتصادية يصعب الجهر بها. لكن ومهما كان حال الاحتياطات فان المشكلة حقيقية وقائمة وهي تزداد تعقيدا بسب تركز هذه الاحتياطات في الشرق الاوسط والارتفاع الكبير في الطلب. وتري الوكالة الدولية للطاقة ان سوق الطاقة قد تشهد نموا بمعدل الثلثين قبل العام 2030 وستتطلب استثمارات هائلة.