من فوضي العجز عن الحصول علي مسكن الي فوضي العجز عن الحصول علي عمل يكفي تكاليف الحياة الي هذه الكثرة الغالبة في تعداد السكان الي اتساع المسافة بين الاجراءات والمضمون في الحصول علي خدمات التعليم والصحة وغيرها من بين كل هذا الركام برزت لنا مأساة اطفال الشوارع. وهي مأساة لم تكن غائبة عن مجتمعنا كما لا تغيب عن اي مجتمع علي وجه الارض ولكنها تروعنا نحن المصريين بما نملكه من حساسية التعاطف الشديد مع الضعف الانساني ورفضنا لأن تكون هذه هي صورة بعضنا ممن يعيشون معنا تحت نفس السماء. لم تصدمني - علي المستوي الشخصي - جريمة التوربيني لا لشيء الا لأني حققت كصحفي في عام 1976 في جريمة قتل طفل تم اغتصابه بواسطة خريج لاصلاحية الاحداث وهي احد مصانع الجريمة في بلدنا وبمشاركة صبي في مقهي وتابعت القضية من لحظة القبض علي المتهمين الي لحظة اعدام القاتل ورؤية اهالي الطفل المغتصب القتيل. ايضا لم تصدمني جريمة التوربيني لان الامة العربية كلها وقعت في مأزق ان حكم شعب متحضر فيها طفل شوارع من طراز صدام حسين وهو بكل المقاييس طفل شوارع نمي وسط قسوة بالغة من زوج الام والعائلة ولعدم اتزانه النفسي، جلب علي العراق كوارث اكبر بكثير مما كان يحدث في عهده واعني به الاحتلال الامريكي. وحين وصلت الي القاهرة كان اول ما قمت به هو تلبية دعوة السفيرة مشيرة خطاب امينة المجلس القومي للطفولة والامومة وهي التي تحترف وضع كل الجراح تحت الضوء طلبا لعلاجها ووضع حلول جذرية لها وكانت الدعوة لمشاهدة فيلم من اخراج المخرجة المتميزة تهاني راشد عن بنات الشوارع وتفاصيل حياة فتيات قاصرات وناضجات في دنيا لا توفر لهن المأوي حيث يتآلف هؤلاء جميعا من اجل ان تستمر انفاس الهواء داخلة وخارجة في الصدور. وعلي الرغم من ان مشاهدي الفيلم كانوا من صفوة المسئولين عن الاعلام في مصر الا ان الحقائق الصارخة التي جاءت به تنذر بميلاد اكثر من توربيني واكثر من قاتل. وحين سألتنا السفيرة مشيرة عن حلول لتلك المشكلة لم اجد في رأسي سوي تجربة مصرية واضحة ان كانت مدفونة تحت تراب تغير السلطة في مصر واعني بها تجربة وجيه اباظة محافظ البحيرة الاسبق حين لمس انتشار تلك الظاهرة في البحيرة فأسس بيت ايواء لائقا وقام بجمع اطفال الشوارع فيها ثم كون منهم فرق اصلاح ميكانيكي وحرفي وايضا فرقة رقص شعبي سميت فرقة البحيرة للفنون الشعبية وهي الفرقة التي جابت اركان الارض ونالت العديد من الاوسمة والجوائز وهي الفرقة التي تم تقليدها بواسطة الولاياتالمتحدةالامريكية في حي هارلم واثبتت جدواها فمن بين اطفال الشوارع هناك الموهوبون وهناك القادرون فنيا علي تجاوز محنة التواجد بلا مأوي وبلا اعتراف من المجتمع. قدمت رأيي هذا وانا مصر عليه فكل انسان يحتاج الي ان يحبه اهله وناسه وهو في حاجة الي ان يحب من حوله من حق اي انسان ان ينمو في حالة قبول اجتماعي يليق به. وغدا - بإذن الله - نكمل...