كثيرا ما نتعلل بالفقر وضيق ذات اليد حين نواجه مشكلة جسيمة. وكثيرا ما يكون الفقر بريئا من أعذارنا لان المتهم الحقيقي هو التنسيق الغائب والمنطق المغلوط والرحمة المغيبة حين نتعامل مع المرضي الفقراء. فجأة تقرر وزارة المالية تجميد العلاج علي نفقة الدولة بسبب الديون التي وصلت الي مليار جنيه. فجأة وقفت وزارة الصحة مكتوفة الايدي ضاربة اخماسا في أسداس. فجأة رفضت المستشفيات التعليمية والجامعية استقبال المرضي الذين تحولهم وزارة الصحة بزعم أن الوزارة غير ملتزمة بالسداد. فجأة.. وفجأة.. ومفاجآت كثيرة في ملف يؤكد كل سطر فيه أن هناك أخطاء في السيستم الذي يدير حياة المواطن.. فماذا لو كان هذا المواطن مريضا بالفشل الكلوي أو بالسكر أو بالاورام ويحتاج الي علاج دوري ومنتظم؟. الإجابة واضحة: سيموت المريض حتما ويوزع دمه بين القبائل.. عفوا.. بين وزارة الصحة ووزارة المالية والمستشفيات الجامعية التعليمية. ربما تكون وزارة المالية محقة لانها تتعامل بالارقام وليس بالعواطف, وربما تكون وزارة الصحة محقة لان التزاماتها اكبر من ميزانياتها.. وربما تكون المستشفيات الجامعية محقة لضيق ذات اليد. ولكن المؤكد والاكيد ان المريض المصري يستحق التعامل معه بصورة أكثر رحمة. وأدي موقف وزارة المالية الذي وصفته وزارة الصحة بأنه شديد الغموض ولايعبر فحوي مشروع اجتماعي يتزايد عليه الطلب امام ارتفاع صارخ لتكلفة العلاج ووجود امراض شرسة تئن قسوتها شرائح المجتمع قاطبة. وقفت وزارة الصحة مكبلة الايدي بأغلال حالت دون وجود حلول سريعة تدفع انتشال مشروع العلاج علي نفقة الدولة من السقوط في هوة الضياع واندثار حقوق الفقراء في رعاية صحية حقيقية. وبرغم ماتؤديه هذه المستشفيات من رعاية طبية إلا أن الواقع يزخر بصور مؤلمة تئن تفاصيلها بآلام مبرحة تسكن جسد مرضي العلاج علي نفقة الدولة حال غياب صارخ للرقابة علي جودة الخدمة المقدمة لهم عبرها فشاع التردي في نوعية الرعاية الطبية. يقول الدكتور محمد عابدين رئيس المجالس الطبية المتخصصة اذا كان لدي وزارة المالية اعتراض علي نظام عمل العلاج علي نفقة الدولة فانه يجب تحديد نقاط الضعف الموجودة والعمل علي علاجها. لكن ان يتم ايقاف تمويل المشروع فهذا ما سيؤدي الي عواقب وخيمة تؤثر في جودة الخدمة الطبية المقدمة للمريض ويعرض المشروع للانزلاق في دائرة الخطر. لابد من اجراء حوار للتعرف علي وجهة النظر التي أدت إلي التوقف عن تمويل المشروع والاحجام عن سداد ديون المستشفيات الجامعية والتعليمية والمراكز الطبية المتخصصة التي بلغت حتي الآن ما يزيد علي مليار جنيه... المسألة لها ابعاد معقدة لا يمكن الاقتراب منها.. وزارة المالية تريد ترشيد حجم ما يتم انفاقه علي مرضي العلاج علي نفقة الدولة وهذا شئ يستحيل تحقيقه في ظل تزايد الطلب علي العلاج المجاني ووجود امراض يستحيل علي غالبية الاسر المصرية مواجهة نفقاتها منفردة.. هناك امراض بعينها تأخذ الحصيلة الكبري من قيمة المبلغ المخصص للعلاج علي نفقة الدولة تضم مرضي الفشل الكلوي600 مليون جنيه ومرض السكر300 مليون جنيه, والاورام300 مليون جنيه بالاضافة الي العمليات الجراحية, كيف يمكن اذن اعادة النظر في التعامل مع هذه النوعية من الامراض التي يستحيل الاقتراب منها كونها تحتاج نفقات علاجية باهظة التكاليف. العلاج علي نفقة الدولة يتم في اضيق حدود الانفاق ولا يحمل بين طياته اي ترف او اسراف ويتم في اطار ضوابط وضعت بمعرفة متخصصين. عوار وزارة المالية لديها اعتقاد بوجود عوار في نظام العلاج داخل هذه المستشفيات والكلام علي لسان الدكتور محمد عابدين وقد يكون لديها حق في ضوء تصور تؤمن به في الوقت الذي طالبت فيه كثيرا بضرورة تشكيل لجنة مشتركة للتفتيش علي جودة الخدمة المقدمة لمرضي العلاج علي نفقة الدولة ودون جدوي لم يتحقق مطلبي بعدما فشلنا منفردين في اجراء رقابة عليها وتم منعنا من دخول جميع المستشفيات باستثناء التابعة لوزارة الصحة. تحذيرات شديدة اللهجة يطلقها الدكتور حمدي السيد نقيب الاطباء ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب قائلا: استمرار تجاهل المستشفيات التعليمية والجامعية لمرضي العلاج علي نفقة الدولة يؤدي لضياع حقوق هؤلاء في الحصول علي رعاية صحية واجبة ومرضية ويسقط جزء هاما ومؤثرا من منظومة الرعاية الصحية في المجتمع تجاه فئة تستحق الاهتمام. وتقاعس وزارة الصحة عن الوفاء بما عليها من أموال لهذه المستشفيات يحاصرها بديون كبيرة تحد من تقديم رعاية صحية متميز وتمنعها من توفير المستلزمات الطبية والادوية التي يحتاج اليها المريض. ولذلك فانه لا سبيل لمخرج حقيقي من تلك الازمة الا بتدبير الاعتمادات المالية التي تسدد ديون المستشفيات حتي تستطيع اداء دورها علي النحو الاكمل تجاه مرض العلاج علي نفقة الدولة في ظل وقوفها عاجزة عن الوفاء بدورها ولها العذر في ذلك, فمن أين السبيل الذي يعينها علي تدبير الاموال التي تشتري بها ما تحتاجه من مستلزمات طبية ولديها مستحقات مالية في ذمة وزارة الصحة وهي عاجزة عن الحصول عليها. ووزارة الصحة والكلام علي لسان رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب لديها عذر آخر لم تكن يدها مغلولة من قبل تجاه الوفاء بما عليها من التزامات نحو تسديد المستحقات المالية لمرضي العلاج علي نفقة الدولة لكن وزارة المالية فجأة جمدت تلك المستحقات بدعوي وجود تجاوزات في نظام العلاج وهذا كلام لا يقبله منطق وفيه تعنت شديد ويعرض حياة المرضي لخطر نتيجة لعدم استقبال المستشفيات لهم. يدخل الدكتور حمدي السيد الي منعطف اكثر خطورة يكشف عوار العلاقة بين المستشفيات التعليمية والجامعية قائلا: وزارة الصحة وضعت نظاما للعلاج في هذه المستشفيات وحددت فيه تكلفة الرعاية الصحية التي يحصل عليها المريض وهذا النظام لم تعترف به هذه المستشفيات مما أحدث نوعا من الخلل المالي في العلاقة بينهما.. فالمستشفيات من ناحية لا تقبل التسعيرة التي وضعتها لجان وزارة الصحة ووزارة الصحة تمسكت بموقفها واتهمت المستشفيات بالمغالاة في تحديد القيمة المالية للرعاية الطبية وظل الوقض مليئا بالتوتر حتي عجزت الوزارة عن الوفاء بما عليها من التزامات مالية ووقع المحظور بتراكم الديون التي تجاوزت حاجز المليار جنيه. النظام المتبع يعاني عوارا شديدا وعلي الوزارة سبر اغواره واعادة النظر فيه لمنع حدوث ازمات يضار منها المريض في اوقات حرجة وليس من الطبيعي إلقاؤه فريسة لهذه النوعية من المستشفيات التي تدار بنظام علاج اقتصادي لا قبل لدولة به. صداع العلاج واذا كانت الدولة عازمة وصادقة النية في القفز والارتقاء فوق العقبات التي تهدر جدوي وقيمة العلاج علي نفقة الدولة فإن عليها الاسراع وتجاوز وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل الذي يعد الركيزة الاساسية للبرنامج الانتخابي للرئيس مبارك. يعكس كلام الدكتور اشرف حاتم مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة وضعا مؤلما لواقع المستشفيات الجامعية قائلا: في الماضي كنا نملك ميزانية نستطيع التحرك عبرها ونغطي ما نريده من احتياجات ولم تكن لدينا مشكلات تؤدي اعاقة اداء دورنا علي النحو الاكمل تجاه المرضي, وكنا نملك ايضا تصورا لزيادة الموازنة المخصصة وفق الاحتياجات المتجددة وارتفاع اسعار المستلزمات الطبية, وتأتي الزيادة برؤية تنطلق عبر الواقع لتصل كثيرا من الاحيان الي20% سنويا. نحن الآن امام وضع مختلف تعاني فيه المستشفيات الجامعية ضيق ذات اليد في ظل انخفاض صارخ للميزانية المخصصة لتدبير احتياجات اساسية تقوم عليها الخدمة الصحية والطبية المقدمة للمرضي ومن غيرها لا أخفيك سرا تنخفض جودة الخدمة.. مما يقر واقعا بأن المستشفيات الجامعية التي تحمل فوق عاتقها مسئولية جسيمة تجاه الفقراء لم يعد لديها ميزانية حقيقية ولم تعرف الزيادة منذ ما يزيد علي عشر سنوات وتدبر احتياجاتها المالية من التبرعات.. كيف تقدم خدمة طبية مقترنة بجودة رعاية في ظل عدم استقرار الموارد المالية. وتأتي وزارة الصحة فوق هذا الوضع المالي المتردي وتتوقف عن سداد مستحقات العلاج علي نفقة الدولة المسألة لا تحتمل وإذ لم يكن هناك سداد لتكاليف العلاج أولا بأول فلن نستطيع الاستمرار في تقديمه. لقد وضعت وزارة الصحة تسعيرة جبرية لتكاليف علاج المرضي وهذه التسعيرة تجافي الواقع ومع ذلك تم الالتزام بها وقبلنا بالأمر الواقع وتوقفت هي عن سداد الديون المستحقة للمستشفيات. وكان من الطبيعي في ظل تراكم الديون التوقف عن تقديم الخدمة في المستشفيات التي تدار بنظام اقتصادي كونها لا تحصل علي دعم من الدولة. أما المستشفيات الجامعية.. فهي تقدم الخدمة بحكم دورها في خدمة المرضي بالنظام المتاح ولا نستطيع في ظل ضغوط الانفاق توفير الرعاية الحقيقية للمرضي المترددين. تراكم الديون لم يحدث بين يوم وليلة ولكنه بدأ منذ أكثر من عام ونصف العام.. كانت خلالها عملية تسديد المستحقات تتم بصورة غير منتظمة وفجأة منذ ثلاثة أشهر توقف السداد تماما.. هناك أمور معقدة ومتشابكة في تقدير الدكتور حسن شاكر مدير مستشفي عين شمس التخصصي أدت إلي تفاقم الديون وعلي حد قوله بعد غياب الرؤية الحاكمة لعمليات قرارات العلاج علي نفقة الدولة نتيجة طبيعية لتراكم الديون وعدم الوفاء بمستحقات المستشفيات. والدولة لديها التزام وطني لا يمكن التنصل منه تجاه المرضي الفقراء ولا يمكن التوقف عن اصدار قرارات العلاج وتلبية التزايد المستمر عليها. ونحن في المقابل تقع علي عاتقنا مسئولية جسيمة تجاه رعاية صحية بمواصفات محددة لا يمكن تجاوزها وتعثر سداد المستحقات المالية ينعكس بشكل قاطع علي جودة الخدمة المقدمة.. لاننا ندير بنظام اقتصادي, واحداث الخلل في النظام يضرب الادارة في مقتل. ولذلك قررنا في ظل تراكم الديون وضع ضوابط محددة تقضي منع الترهل في نظام عمل المستشفي.. فحددنا كوتة لمرضي العلاج علي نفقة الدولة ولن نسمح بتجاوزها في ظل الإحجام عن سداد المتأخرات المالية. وقد حاولنا كثيرا مع وزارة الصحة إيجاد حلول عملية لتلك الأزمة ولكن معدلات السداد لا ترقي المواجهة في تلبية المستلزمات الطبية التي تحتاج إليها الرعاية الصحية. أزمات أخري أزمة الديون المتراكمة لم تكن وحدها المسيطرة علي اجواء الثورة التي تقودها المستشفيات الجامعية ضد العلاج علي نفقة الدولة.. فقد فجرت أزمة أخري تتعلق باعتراض أبدته تجاه تسعير الخدمة الصحية المقدمة عبرها.. كون التسعيرة المقررة غير كافية بحجم ما يحصل عليه المريض من رعاية وخدمة. وبحسب ما يقول الدكتور حسن شاكر مدير مستشفي عين شمس التخصصي كان يتعين علي وزارة الصحة قبل وضع التسعيرة استطلاع آراء المستشفيات التي تقدم الخدمة حتي نصل لصيغة مرضية وعادلة للطرفين. بدلا من انفرادها باتخاذ قرارات لا تعكس واقعا حقيقيا.. في ظل الارتفاع المستمر للمستلزمات الطبية. نحن امام واقع لا تريد وزارة الصحة الاقتناع به وقد قدمنا لها دراسة اجريت بمعرفة قسم التكاليف بالمستشفي ثبت فيه بالدليل القاطع غياب العدالة في التسعيرة التي انفردت بتحديدها وزارة الصحة ولم تستجب لمطالبنا برفع الاسعار برغم منحنا مرضي العلاج علي نفقة الدولة خصما10% ايمانا بأنه بعمل اجتماعي يتوجب علينا القيام به. هذه النوعية من المستشفيات لها مواصفات خاصة في تقديم الخدمة الصحية لا يمكن التغاضي عنها والنزول بها لمواجهة ضعف تمويل العلاج علي نفقة الدولة وحفاظا علي المستوي المتبع قررنا إيجاد صيغة تضمن تغطية التكاليف الحقيقية للخدمة الطبية بأن يتحمل المريض سداد فرق الخدمة. كلام الدكتور محمد عابدين رئيس المجالس الطبية المتخصصة جاء قاطعا ومحددا بشأن تسعيرة الخدمة الطبية المقدمة في المستشفيات الجامعية قائلا ندير الامور بنظام يحكمة منطق ويقبله العقل ونحن في العلاج علي نفقة الدولة نولي اهتماما شديدا بجودة الخدمة الطبية المقدمة للمريض ولا علاقة لنا بالخدمة الفندقية التي تفرضها بعض المستشفيات. وعندما شرعنا في تحديد اسعار الخدمة الطبية وضعنا قواعد وضوابط لتلك العملية نصون فيها الحفاظ علي المال العام ونحقق بها المصلحة ونضمن إجراء عادلا للمستشفيات وقد خرجت تلك الصيغة من رحم تصورات شارك في صياغتها اساتذة لكليات الطب وفق رؤية واقعية وأضفنا اليها زيادة تقدر ب50% مما تحصل عليه المستشفيات التابعة لوزارة الصحة وزيادة ايضا تقدر ب10% سنويا طوال السنوات الاربع المدة الزمنية المحددة لعملية التسعير ألا يكفي ذلك؟! هناك مبالغات شديدة من المستشفيات الجامعية بشأن أجر الخدمة الصحية المقدمة.. هذه المبالغات تدفع مشروع العلاج للوقوع في براثن الديون ولو كنت املك وحدي القرار لأوقفت التعامل مع هذه النوعية من المستشفيات.. لكننا تحت ضغط شديد نوافق علي التعامل معها. وما تفعله بعض المستشفيات بشأن تحمل المريض للجزء المتبقي من تكاليف العلاج.. يخرج عن نطاق الاتفاق المبرم معها واجراء لا نوافق عليه كون قرار العلاج شاملا جميع جوانب تكاليف الخدمة الطبية. لدينا عبء كبير وضغوط شديدة والكلام علي لسان رئيس المجالس الطبية المتخصصة نحو الوفاء بعلاج كل من ليس لديه تأمين صحي وهؤلاء يمثلون50% من تعداد السكان حيث نصدر مليونا و600 الف قرار علاج خلال العام والأعداد في ازدياد. لا يمكن إغفال خلل أدي لتراكم الديون وحصار المستشفيات وعدم وفائها باستمرار تقديم الخدمة الطبية لمرضي العلاج علي نفقة الدولة وبحسب تصور الدكتور اشرف حاتم مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة بأن النظام السائد والمتبع في المجالس القومية المتخصصة أثبت انه يعوق حصول المستشفيات علي مستحقاتها المالية في توقيت مناسب يمكنها مواجهة اعباء المستلزمات الطبية ولم يعد يحقق دفعة حقيقية في جودة الخدمة المقدمة. ولذلك فان العودة للعمل بالنظام القديم الذي يقضي منح المريض جزءا من تكلفة العلاج وتحمل المستشفيات الجزء الآخر في ضوء ما تتلقاه من دعم مالي تؤديه الدولة لميزانيات التشغيل يصبح ضرورة لسبر اغوار تلك المشاكل. موافقة الدكتور محمد عابدين علي عودة النظام القديم جاءت ضمنية في سياق الكلام ولم تكن صريحة.. فعلي حد قوله الازمة ليست في النظام المتبع ولكنها تكمن في ضيق ذات اليد وغياب الميزانية الكافية التي تسد رمق احتياجات المرضي المتزايدة. ولو حققنا دعما لميزانية العلاج علي نفقة الدولة.. فلن تكون هناك مشكلة في تطبيق النظام, فالنظام في الاساس موجود ويضمن حصول المرضي الفقراء علي الرعاية الصحية الواجبة وعلينا ان نتصور عجزا سنويا يبلغ مليارا و0.4% في ظل هذا العجز الصارخ كيف يتسني تسديد مستحقات المستشفيات؟!