كنا نتحدث عن التهدئة بين اسرائيل وبين الفصائل الفلسطينية، وقلنا ان استمرار الهدنة ليس سهلا وانها قد تكون مثل اي هدنة سابقة مجرد محطة لالتقاط الانفاس، او نتيجة ضغوط دولية او محلية سرعان ما تزول. والواقع ان الفلسطينيين تعرضوا لقصف شديد علي مدي الشهور الماضية وزادت كثافته منذ اختطاف الجندي الاسرائيلي واسره.. وفقدت الفصائل عددا كبيرا من نشطائها خلال العمليات الاسرائيلية التي استهدفت البحث عن الجندي الاسير او ردا انتقاميا عشوائيا علي اطلاق صواريخ "قسام" بدائية الصنع التي لا تحدث اثرا ماديا بقدر ما تضرب في جدار نظرية الامن الاسرائيلية وتلغي كل نتائج الاتفاق العسكري والشهرة التقليدة للعسكرية الاسرائيلية. وبمناسبة هذا الموضوع فان هذه الشهرة التقليدية تعرضت لنكسة خطيرة لم تعرفها اسرائيل من قبل الا في حرب اكتوبر 73 تلك الهزيمة التي اضطرت اسرائيل بسببها الي الانسحاب من شبه جزيرة سيناء بالكامل فيما بعد. والنكسة التي لحقت بالعسكرية الاسرائيلية تتمثل في فشلها علي محورين في الشمال وفي الجنوب، في قطاع غزة، وفي جنوب لبنان. فشلت العسكرية الاسرائيلية في إلحاق هزيمة بمقاتلي حزب الله تؤدي الي خلخلة الوظيفة السياسية للحزب في لبنان فارتد ليحاسب الحكومة اللبنانية ويؤكد تحالفه مع سوريا وايران ويزيد من تحدياته للقوي الرافضة له في الداخل والخارج. وليس سرا ان ما يحدث الان من تداعيات في لبنان والعراق كان نتيجة فشل المغامرة العسكرية الاسرائيلية في جنوب لبنان، ولا يمكن القول ان التدمير الشديد الذي احدثه القصف الاسرائيلي لضواحي بيروتوجنوب لبنان هو بمثابة انتصار عسكري لاسرائيل ولكن العبرة هنا بفشلها في تحقيق اهدافها الرئيسية وهي تفكيك البنية الاستراتيجية لحزب الله ونزع سلاحه بما ينعكس علي الظروف السياسية في لبنان وما حولها. وحين تفشل القوة العسكرية في تحقيق هدف فان الامور لا تعود سيرتها الاولي بل تصبح اسوأ.. وهذا ما حدث بالفعل في لبنان وانعكس علي جميع دول المنطقة وعلي المصالح الدولية بها. وفي قطاع غزة لم تنجح القوة الغاشمة للجيش الاسرائيلي في توفير الامان للاراضي "الاسرائيلية" داخل الخط الاخضر، واستمر تدفق الصواريخ بمعدلات بسيطة ولكنها مقلقة وتهدم نظرية الامن. وتأكد فشل الجيش الاسرائيلي في عدم قدرته علي استعادة الجندي الاسير من ناحية، وعدم قدرته علي ايقاف تدفق الصواريخ علي اراضيه باستخدام القصف بالطائرات او القصف المدفعي من منطقة عازلة.. والنتيجة شعور بالاحباط وبالارهاق استوجب قبول التهدئة وليس الاقرار بحتمية السلام.