بينما ينشغل الشارع المصري والعربي بالاتفاق أو الاختلاف حول حكم الاعدام شنقا الصادر علي الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.. تنظر محكمة القضاء الاداري المصرية قضية أخري لمستثمر عراقي يحمل نفس الاسم صدام حسين مجيد ولكن لا تربطه بالرئيس المخلوع أي علاقة قرابة أو نسب وصدام "المستثمر" واحد من رجال الأعمال العراقيين الذين فروا من ويلات جحيم العراق إلي مصر متطلعا هو وأسرته للاستثمار فيها وعلي الرغم من حصوله علي قرارمن الهيئة العامة للاستثمار بتأسيس شركته إلا أنه فوجئ بعد ذلك بمطالبة الهيئة تغيير جميع مؤسسي الشركة وهو ضمنهم بسبب الرفض الأمني لهم ما هي أسباب الرفض الأمني وهل من حق صدام تأسيس استثماراته في مصر أم لا؟ هذا هو ما سيفصل فيه القضاء الاداري بنزاهته المعهودة إلا أن القضية التي نطرحها في هذا التحقيق تتعلق بشرط "الموافقة الأمنية" لأنها قضية تكتسب أهمية خاصة عندما نطرحها للنقاش في ميدان الاقتصاد باعتبار أن رأس المال "جبان" كما هو معروف للجميع ونحاول الاجابة علي بعض التساؤلات منها: ما هي حدود تدخل "الأمن" في أنشطة المستثمرين الأجانب بمصر وما هي مواصفات الشخصية التي من الممكن أن تمس الأمن العام وما هو مرجع هذه الإجراءات الأمنية في الدستور والقانون خاصة وأن مثل هذا الأمر ظهر في العديد من الدول وعلي رأسها الدول الرأسمالية الكبري. نبدأ بقضية صدام حسين المستثمر العراقي كما ذكرها في دعواه وتتمثل في قيامه هو و5 أفراد من أسرته بالاشتراك فيما بينهم في تأسيس شركة مساهمة طبقا لأحكام القانون 159 لسنة 1981 يكون الغرض منها العمل في قطاع الأعمال الاليكترونية والكمبيوتر وأغراض أخري تتناسب مع رأس المال المرخص به وتقدموا إلي هيئة الاستثمار بالأوراق اللازمة لتأسيس الشركة واودعوا المبلغ المدفوع من رأس المال بأحد البنوك الوطنية طبقا لأحكام القانون وقامت الهيئة بمراجعة جميع الأوراق المقدمة وبعد أن تبين لها استيفاء جميع الشروط القانونية المطلوبة أصدرت الهيئة في 19/12/2005 موافقتها علي الاستمرار في إجراءات الشركة باصدار أسهم التأسيس واخطار الهيئة العامة للاستثمار باتمام إجراءات الاصدار وقام صدام وشركاؤه بناء علي تلك الموافقة بالاستمرار في إجراءات تأسيس الشركة باستخراج السجل التجاري بعد استيفاء جميع الأوراق والإجراءات وحصولهم علي البطاقة الضريبية للشركة وبدوا في ممارسة نشاط الشركة واستكمالا لهذه الإجراءات حصل صدام وشركاؤه وعائلاتهم علي إقامة بالبلاد لمدة 6 أشهر لحين استكمال الإجراءات اللازمة لمباشرة عمل الشركة بمناسبة تأسيس الشركة ولكن فوجيء صدام وشركاه كما ذكرفي الدعوي بخطاب من الهيئة العامة للاستثمار بضروروة خروجهم من الشركة واستبدالهم بغيرهم استنادا إلي عدم موافقة جهات الأمن. إجراء تنظيمي تشير وفاء صبحي رئيس قطاع المكتب الفني لرئيس هيئة الاستثمار إلي أن الاستعلام الأمني هو شرط معلن في قرار التأسيس لشركات المستثمرين الأجانب في مصر وكان يتم في الفترة الماضية تأجيل قرار التأسيس حتي تنتهي الجهات الأمنية من استعلاماتها ولكن تيسيرا علي المستثمرين تم السماح بإصدار قرار التأسيس مع اشتراط تغيير المؤسس الذي تعترض عليه الجهات الأمنية بعد الانتهاء من استعلامها فيما عدا الاستثمارات في سيناء وتلفت إلي ان هذه الخطوة وفرت الكثير من الوقت علي المستثمرين حيث يختلف الزمن المستغرق في الاستعلام الأمني من جنسية لأخري وطبقا للظروف السياسية المتغيرة وبالنسبة للضرر الذي يتعرض له المستثمر بسبب مطالبته بتغيير أحد المؤسسين بعد اعلان قرار التأسيس وشروعه في خطوات الاستثمار، وتري ان أي اعتراض أمني يكون سببه المستثمر نفسه الذي لم يدرس مخاطر شركائه جيدا. وبالنسبة لحالة "صدام" توضح وفاء صبحي أن جميع المؤسسين كانوا مرفوضين أمنيا وبذلك تصبح الشركة لاغية، مشيرة إلي ان قانون الاستثمار لم ينص علي الإجراء الأمني لأنه ليس قانون تأسيس وإنما هو قانون دورات وحوافز أما إجراءات التأسيس فينظمها قرار رئيس الهيئة والذي نص علي هذا الإجراء، مؤكدة انه لا يوجد لدي الهيئة العامة للاستثمار أي تحفظ علي أي مستثمر أجنبي ولكن هذه الإجراءات تعود لأجهزة الأمن وسياسة الدولة. مذكرة التحريات أما حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان فيشير إلي ان فكرة الاستعلام الأمني لها مرجعها في الدستور بناء علي المادة 184 التي تتحدث عن دور الشرطة في خدمة الشعب وانها تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر علي حفظ النظام والأمن العام وفكرة الحفاظ علي النظام والأمن العام متفق عليها دوليا حيث يتم رفض مستثمر أجنبي لأنه يعمل في نشاط محظور كالاتجار في المخدرات أو انه يشارك في منظمة ارهابية أو يؤسس استثماره كواجهة لنشاط جاسوسية أو غسيل الأموال وغيرها من الأسباب التي يكون من الطبيعي ان يتم رفض مستثمر أجنبي بسببها.. إلا ان أبو سعدة يري ان احهزة الأمن في مصر متشددة بعض الشيء في احتياطاتها الأمنية، ويقول إنه شهد حالة تعطيل سجل تجاري لأحد المستثمرين لأكثر من عام وعندما سأل عن سبب التأخير أخبرته الجهة الإدارية بأن السبب هو إجراءات الاستعلام الأمني عن الشريك الأجنبي ويري أبو سعدة ان قرار رفض المستثمر الأجنبي ليس به شفافية لأنه غير مسبب كما ان مذكرات التحريات في مصر بشكل عام من وجهة نظره احيانا لا تحمل قرائن قوية علي الاتهام. ويضيف نجاد البرعي رئيس جماعة تنمية الديموقراطية ان إجراءات الاستعلام الأمني للمستثمرين الأجانب في مصر بها قدر من التشدد وتخالف روح الانفتاح الاقتصادي الذي تسعي الدولة لترسيخه وهو عكس ما يحدث في الدول المتقدمة التي تفترض من البداية ان المستثمر جاد حتي تثبت عليه الشبهات. عملية مهمة وفي المقابل يري الخبير الاقتصادي د. شريف دلاور ان اجهزة الأمن المصرية لا تبالغ في دورها بل عليها ان توسع من مفهوم الأمن القومي ليشمل ايضا الحفاظ علي الاقتصاد القومي ويشير دلاور إلي ان أغلب دول العالم تفرض شروطا علي الاستثمار الأجنبي هدفها الحفاظ علي الأمن القومي بمختلف الطرق ففي الهند والصين يتم فرض قيود علي حرية حركة رؤوس الأموال، كما تفرض عدة دول متقدمة مثل الولاياتالمتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي أنواعاً أخري من القيود وابرز مثال علي ذلك هو دور الكونجرس الأمريكي في وقف فوز موانئ دبي الإماراتية بصفقة إدارة الموانئ الأمريكية. ويري دلاور ان مثل هذه الإجراءات طبيعية في إطار ممارسة الدولة لسيادتها، إلا انه يوضح في نفس الوقت ان العديد من الدول تعلن رفضها لبعض المستثمرين الأجانب لأسباب فنية كغطاء للرفض الأمني حتي لا تتعرض لأي نوع من الضغوط وهو ما يجب ان تفعله الحكومة المصرية. ويوضح د. صفوت البهنساوي استاذ القانون التجاري بجامعة الزقازيق ان إجراء الاستعلام الأمني عن المستثمر الأجنبي الذي يتقدم لتأسيس شركة هو إجراء مشابه لطلب "الفيش والتشبيه" للمواطن المصري ويهدف إلي الحفاظ علي المصلحة العامة فالمواطن المصري إذا ثبت في صحيفته الجنائية انه سبق ان صدر ضده حكم في جريمة مخلة بالشرف أو أعلن إفلاسه فهو غير مؤتمن علي أموال الناس، ويعتبر البهنساوي انه من الصعب وضع شروط معلنة للموافقة الأمنية علي المستثمر الأجنبي لأن الرفض الأمني احيانا لا يكون علي شخص المستثمر وإنما علي جنسيته في حالة وجود توترات سياسية مع دولة ما أو علي القطاع الذي سيعمل فيه بسبب حساسية هذا القطاع.