ربما يكون مؤشر داوجونز الصناعي قد ارتفع في الأيام الأخيرة إلي مستويات لم يشهدها منذ عام 2000 عام انفجار فقاعة شركات التكنولوجيا والانترنت ولكن الشيء الذي تنبهنا إليه مجلة "الايكونوميست" هو أن صناعة التكنولوجيا كلها قد تغيرت جذريا الآن عما كانت عليه في ذلك الحين وقد ظهرت طبيعة هذا التغيير في تقرير جديد صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD خلال الاسبوع الأول من أكتوبر وهذه المنظمة تعتبر كما هو معروف نادي الاثرياء في العالم. لقد تضمن هذا التقرير قائمة بأكبر 250 شركة تكنولوجيا في العالم من حيث حجم الايرادات وتتميز القائمة بأمرين جديدين أولهما أنها تحتوي علي عدد من شركات الهاردوير والصناعات التمويلية أقل مما كانت تحتويه منذ 5 سنوات وعلي عدد أكبر كثيرا من شركات البرمجيات والخدمات أما التطور الثاني فهو أن الشركات الآسيوية بدأت تنحي جانبا الشركات الأمريكية. وتجدر الاشارة إلي أن شركات من الصين وهونج كونج والهند قد ظهرت لأول مرة في هذا التقرير وأن عدد الشركات التايوانية قد زاد بأكثر من 300% وفي واقع الأمر سنجد أن الصين غير معبر عنها جيدا في التقرير المذكور فكثير من شركات هونج كونج وتايوان تمارس الجزء الأكبر من نشاطها علي أرض الصين كما أن كثيراً من كبريات شركات التكنولوجيا الغربية صارت لها عمليات لا يستهان بها في الصين. ولهذا يمكن القول إن الصين صارت في الحقيقة أكبر دولة مصدرة للسلع التكنولوجية (برغم أن معظم هذه السلع من صنع شركات غير صينية). وتعد الصين داخليا سدس أكبر مشتر لسلع وخدمات التكنولوجيا العالية في العالم. وسوف تصعد الصين إلي المركز الثالث مع حلول عام 2010 وذلك بعد أمريكا واليابان اللتين تحتلان المركزين الأول والثاني وفي نفس الوقت زادت ايرادات شركات البرمجيات والخدمات بنحو 50% في الفترة 2000 2005 ولذلك لم تكن مفاجأة أن تظهر شركات البرمجيات الهندية ويبرو وتاتا للخدات الاستشارية وانفوسيز في القائمة. ولا شك أن أي شخص زار شنزهين الصينية أو بنجالور الهندية سوف يشعر أن ظهور شركات التكنولوجيا من الصين والهند في القائمة مسألة طبيعية ورغم أنه يشار إلي الصين والهند باعتبارهما عملاقين قادمين للتكنولوجيا إلا أن طريق كل منهم إلي تحقيق هذا الهدف يختلف عن الأخري. صحيح أن تعداد السكان في لبلدين متقارب ولكن انفاق الصين علي التكنولوجيا يساوي مرتين ونصف قدر انفاق الهند فالصين تعد بالفعل أكبر سوق في العالم الآن للتليفون المحمول وثاني أكبر سوق عالمي لأجهزة الكمبيوتر الشخصي وفوق ذلك فقد كان لدي الصين في آخر عام 2005 قرابة 110 ملايين مستخدم للكمبيوترمقابل 51 مليونا فقط في الهند وفي الصين الآن 430 مليون مستخدم للتليفون المحمول مقابل 120 مليونا فقط في الهند كذلك فإن البلدين تكتسبان التكنولوجيا بسرعات وطرق مختلفة. ولا شك أن تفوق الصين علي الهند راجع إلي جهد حكومي منسق فالاقتصادات المخططة مركزيا يمكنها أن تضح موارد أكبر في المشروعات وفي التنمية المباشرة للقطاع الصناعي بأسره وهو أمر صعب حدوثة في الهند كديمقراطية بيروقراطية وعلي سبيل المثال فقد انشأت الحكومة الصينية شبكة ثانية للتليفون المحمول لتنافس شبكتها الأولي في حين تتقاتل الشبكات الهندية قانونيا لسنوات من أجل تعديل أي بند من البنود المنظمة لسوق المحمول في الهند وبجانب ذلك تسعي الصين لبلورة مواصفات قياسية تكنولوجية خاصة بها حتي تتفادي دفع مقابل الملكية الفكرية للشركات الأجنبية إذا هي استخدمت المواصفات القياسية الخاصة بتلك الشركات. وهناك وجه خلاف آخر بين البلدين يكمن في أن تقدم الصين الصناعي يوفر لها معدات التكنولوجيا الغالية بأسعار معقولة في حين تضطر الهند إلي استيراد هذه المعدات كذلك فإن الهند تركز أكثر كل البرمجيات والخدمات التي يمكن تقديمها بعيدا عن تدخل البيروقراطية الهندية بعكس السلع التي تتدخل فيها البيروقراطية بشدة ولكن كل من الشركات الصينية والهندية صار لها مواقع تسويق في وسط وشرق أوروبا التي تعد سوقا جيدا لمنتجات هذه الشركات من السلع والخدمات. وتقول أرقام التقرير إن أمريكا كان لها من بين الشركات ال250 قرابة 153 شركة عام 2000 انخفضت إلي 116 فقط عام 2005 وأن الاتحاد الأوروبي كان له 32 شركة زادت إلي 42 شركة وأن اليابان كان لها 37 شركة صارت 39 شركة وتايوان كان لها 3 شركات صارت 11 شركة وكوريا الجنوبية 3 شركات صارت 6 شركات وسنغافورة شركة واحدة صارت شركتين وذلك كله في نفس الفترة المقارنة أما هونج كونج والهند فقد صار كل منهما 3 شركات والصين شركة واحدة وذلك للمرة الأولي. وقد لاحظ التقرير أن كلاً من ايرادات شركات التكنولوجيا ال250 وإنفاقها علي الابحاث والتطور زد في عام 2005 بنسبة 20% عما كان عليه في عام 2000 إلا أن عدد العاملين فيها قد نقص خلال نفس الفترة المقارنة وهذا معناه الظاهر أن الأتمتة تطرد العمال من العمل حتي في أرقي الصناعات ولكن واقع الأمر هو أن الشركات ال250 توكل إلي شركات أصفر ذات رأسمال بشري أكثف مهمة إنتاج جزء مما تقدمه من سلع وخدمات وهو أمر يبقي علي أهمية رأس المال البشري دون نقصان.