تدور حاليا في إسرائيل معركة داخلية حول الفشل العسكري في العدوان الأخير علي لبنان وهي تذكرنا بالحوارات الساخنة والملتهبة التي جرت في مصر بعد النكسة أو هزيمة سنة 1967. وتقدم الصحف الاسرائيلية وكذلك التليفزيون بقنواته المختلفة أحاديثا وافكارا ومقترحات حول هذه القضية بشكل يومي كما أن البنوك والمظاهرات التي تعكس القلق الاسرائيل العام لم تعد سرا وهو أمر يحدث ربما لأول مرة في إسرائيل ويتطلب الرصد والتحليل من جانب مراكز الأبحاث والدراسات العربية الجادة إن وجدت. وأظن أن ما قاله عمير بيريتس وزير الدفاع الاسرائيلي في حواره مع القناة الثانية الإسرائيلية ورددته بعد ذلك الصحف والقنوات الأخري يستحق التوقف والانتباه ولا يجب أن ننتش ونطرب لأن بيريتس اعترف بوضوح بفشل الحملة الاسرائيلية علي لبنان ولكن الأهم في تقديري هي الاسباب التي أوردها وأدت إلي أخطاء فاشلة حسب تفسيره. ورغم كثرة التحليلات والآراء التي قيلت ونشرت داخل إسرائيل عن الهزيمة العسكرية إلا أن اعتراف بيريتس وزير الدفاع هو فيما أعتقد أول اعتراف رسمي بها بل وأول نقد تقدمه القيادة العسكرية الاسرائيلية كما اكتسبت تصريحات بيرتس مصداقية لدي قطاع واسع من الاسرائيليين لأنها جاءت في أعقاب استقالة الجنرال بودي آدم قائد القوات الاسرائيلية في الجهة الشمالية والمسئول عن حرب يوليو ضد لبنان وحزب الله. وعدد بيريتس الخطايا التي وقع فيها الجيش الاسرائيلي في ثلاث نقاط رئيسية وهي الاستعدادات العسكرية وسوء التدريب واستدعاء الاحتياطي أما رئيس الأركان الاسرائيلي السابق والوزير الحالي في وزارة ايهود أولمرت بنيامين اليعازر وهو أيضا من حزب العمل فقد طالب باستقالة أو إقالة الجنرال دان هالوتز رئيس الأركان الحالي لسوء إدارته للمعركة. وهكذا ينضم وزير الدفاع الاسرائيلي وعدد من الوزراء الذين ينتمون إلي حزب العمل المخالف مع حزب كاديما إلي مجموعة أخري من الجنرالات والسياسيين الذين أدانوا الأداء العسكري الاسرائيلي الأخير في الحرب علي لبنان سواء من الناحية الفنية والعسكرية البحتة أو من الناحية السياسية العامة. وتساءلت أعداد كبيرة منهم عن الحكمة من شن هذه الحرب وهل خطف جنديين إسرائيليين ومقتل ثلاثة جنود علي الحدود الاسرائيلية اللبنانية يوم 12 يوليو علي أيدي مقاتلين من حزب الله كانت تستحق شن هذه الحرب الواسعة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين من الجانبين كما أنها أدت إلي ضرب نظرية الأمن القومي الاسرائيلي في حروبه السابقة التي كانت تجري فقط علي أرض الغير حيث تعرض العمق الاسرائيلي لأول مرة إلي أكثر من 4000 صاروخ موجه ألحق أضرارا مادية وبشرية بالغة كما أشاعت احساسا بالقلق وعدم الأمان لدي قطاعات واسعة من الاسرائيليين. واتهم مائة من الجنرالات السابقين في الجيش الجنرال دان حالوتس بأنه أقدم علي مغامرة خطيرة في العمق اللبناني دون أن تكون هناك حاجة عملية وأدت قسوة الانتقادات إلي جعل حالوتس يرد بعصبية قائلا: لقد شاركت مثلكم في العديد من الحروب السابقة وشاهدت مثلما شاهدتم كيف كان يهرب الجنود وكيف كنتم تتصارعون فيما بينكم واليوم تجمعون صفوفكم ضدي. أما عمير بيريتس رئيس حزب العمل الذي دخل مع أولمرت حكومته الجديدة وتولي منصب وزير الدفاع منذ مايو الماضي فقد أرجع كل الأخطاء التي جرت إلي حكومات سابقة وقال بيريتس إن الأمر يحتاج إلي تحقيق واسع لأنه كان هناك خط استراتيجي في تقييم الاوضاع ويكفي أن نعترف أن قوات الاحتياط التي استدعيت في الحرب الأخيرة لم تكن قد حصلت علي شكل من أشكال التدريب العسكري لمدة خمس سنوات. إن ما يجري في إسرائيل الآن من مناقشات ساخنة وصاخبة حول أسباب الفشل في الحرب الأخيرة تؤكد أن المجتمع الاسرائيلي يمر بالفعل ولأول مرة منذ إنشائه بحالة من الانقسام وفقدان التوازن الأمر الذي يذكرنا بالأوضاع التي كانت سائدة في مصر في أعقاب نكسة أو هزيمة سنة 1967 مع الفارق طبعا في حجم الهزيمة وفي الظروف التي لامستها. ورغم ذلك فهناك تشابه كبير بين الحدثين فقد كان عدوان إسرائيل سنة 1967 مرتبا وبشكل جيد ومخططا ومدعوما من الولاياتالمتحدة وبعض المباركات العربية وكانت في حقيقتها حرب اجهاض ضد تنامي حركة التحرر العربي ودور مصر في ذلك الوقت كذلك فإن عدوان إسرائيل علي لبنان في يوليو 2006 كانت أيضا حرب اجهاض ضد تنامي حركة التحرر العربي ودور مصر في ذلك الوقت كذلك فإن عدوان إسرائيل علي لبنان في يوليو 2006 كانت أيضا حرب اجهاض ضد تنامي قوي المقاومة اللبنانية كما كانت أيضا مخططة ومدعمة بمساندة أمريكية سياسية وعسكرية وببعض المباركات العربية المباشرة وغير المباشرة. وقد أثبتت الوثائق الأوراق التي نشرت بعد ذلك حول عدوان سنة 1967 علي مصر لم يكن بسبب اغلاق قناة السويس أيام الملاحة الاسرائيلية كسبب مباشر ولكنها كانت المبرر لتنفيذ مخطط أمريكي إسرائيلي في المنطقة للاجهاز علي القوي العسكرية المصرية التي كانت متواجدة أيضا في ذلك الوقت في اليمن لمساندة القوي الجمهورية هناك ووقعت علي حدود امبراطورية البترول ذات الأهمية الاستراتيجية القصوي للولايات المتحدة كذلك فإن خطف الجنديين الاسرائيليين لم يكن السبب الحقيقي في العدوان الشرس ضد لبنان بل كان مجرد مبرر لتنفيذ خطة مرسومة وموضوعة منذ فترة لدعم النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة والتخلص من كل القوي المقاومة لهما بضربة عسكرية ناجحة. إن الضجة والمناقشات والمعارك الداخلية المثارة في إسرائيل هذه الأيام تؤكد انقسام المجتمع الاسرائيلي حول الدروس المستفادة من هذه الحرب الفاشلة فيما يركز بينيامين نتنياهو زعيم حرب الليكود علي ضرورة استقالة حكومة تحالف كاديما وحزب العمل التي لم تنجح في استثمار القوة الاسرائيلية والتأخر في الزحف الأرضي الشامل هناك علي الضفة الأخري من النهر قيادات عسكرية وسياسية تذهب إلي أن الفشل جاء نتيجة شن حرب واسعة لأسباب لم تكن تستدعي ذلك. وهذا الوضع القلق يشير إلي أن هناك ثم تغيرات كبيرة ومحتملة علي الطريق فإما انتصار لمنطق حزب الليكود الذي يعني أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري سريع وناجح لاستعادة الثقة كأكبر قوة عسكرية في المنطقة مثل ضرب المفاعلات النووية الايرانية وإما تأكيد الفكرة التي يراها اليسار الاسرائيلي بأن الحرب لم تعد حلا لمشكلات إسرائيل وليس هناك من طريق سوي الحوار والاقتناع بقيام الدولة الفلسطينية والاحتمالات مفتوحة ولكن السؤال هو علي أي طريق ستمضي إسرائيل.