كان ومازال دور الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا إحدي القضايا المحورية التي تشغل البال في الشرق وفي الغرب. وخرجت دراسات كثيرة تقارن بين حجم الجاليات اليهودية في الغرب الأوروبي والأمريكي وحجم الجاليات العربية والإسلامية في تلك البلدان والدور الذي يلعبه كل منهما في التأثير علي الرأي العام فيما يتعلق بالقضايا العربية المحورية خاصة النزاع العربي الإسرائيلي. والحديث عن دور الجاليات العربية والإسلامية في المجتمعات الأوروبية لا يجب ان ينحصر مثلما كان الأمر في الماضي في المقارنة بين الدور العربي والدور اليهودي في تلك المجتمعات، فهناك خلافات كثيرة في الظروف والملابسات والتاريخ، ولم يعد الهدف بالتأكيد هو إيجاد مراكز ضغط عربية علي النمط اليهودي. ثم جاءت أحداث مترو لندن ومأساة القطارات في مدريد ثم القضايا الأخيرة الخاصة بكشف خطط لتفجير طائرات بريطانية متجهة إلي الولاياتالمتحدة في الجو، كذلك التحقيقات التي يجريها البوليس الألماني وأجهزة التحقيق حول اكتشاف خطة لتفجير بعض المحطات الأساسية للقطارات في ألمانيا. وفي كل هذه القضايا كان المتهمون عرباً أو مسلمين فغالبيتهم من أبناء الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في تلك البلدان الأمر الذي عكس القضية تماماً، ولم يعد المطروح هو دور هذه الجاليات في خدمة القضايا العربية والإسلامية بل إن هناك ما يؤكد ان العرب والمسلمين في بريطانيا وإسبانيا وألمانيا مثلما الأمر في الولاياتالمتحدة وكندا قد يدفعون ثمنا باهظا مقابل حماقة تلك الجماعات الضالة والمضللة التي تسعي إلي اشعال حرب دينية. وسواء أردنا أم لم نرد فقد وضعت هذه القضية علي جدول أعمال كل الدول الأوروبية والأمريكية، وخرجت دراسات كثيرة لتفسير وتحليل هذه النتائج من خلال تشريح للطبقات والفئات في المجتمع الأوروبي ودور الأقليات العرقية مع تركيز خاص علي دور الجاليات العربية والإسلامية. ولو حاولنا الإطلال بشكل واقعي علي حجم الجاليات العربية والإسلامية داخل المجتمعات الأوروبية والأمريكية وفقا للاحصائيات المتاحة، مع التحفظ علي مدي دقتها، نجد أنهم يقدرون في الولاياتالمتحدة بحوالي 5 ملايين غالبيتهم العظمي من أصل عربي وآسيوي، أما في بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية فيقدر عددهم بحوالي 5 ملايين وألمانيا حوالي 3 ملايين وكندا حوالي 2 مليون إضافة إلي تواجد جاليات عربية وإسلامية في بلدان أوروبية مثل هولندا وبلجيكا والنمسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا. وبعيدا عن التأصيل التاريخي لنمو هذه الظاهرة أي النزوح العربي والإسلامي إلي دول الشمال الأوروبي والأمريكي خاصة في العقود الثلاثة الماضية فإن تصنيف هذه الجاليات وأوضاعها المهينة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية بشكل عام يضع أمامنا أربع شرائح رئيسية هي شريحة رجال الأعمال ثم المهنيين ثم الموظفين وأخيرا المهن والأعمال الهامشية. وقد سجلت بعض الدراسات التي قامت بها مراكز بحثية عربية وأوروبية عددا من الملاحظات حول وضع ودور الجاليات العربية والإسلامية مؤداها أن الجاليات العربية والإسلامية تنشط وبشكل واسع في المجال التجاري ابتداء من محلات البيع الصغيرة والمقاهي وحتي السوبر ماركت، ولكنها تواجه مشاكل سواء كانت ذاتية أو خارجية حين يتعلق الأمر بنشاط إنتاجي واسع في المجالات الصناعية والزراعية. كذلك لاحظت هذه الدراسات ان هذه الجاليات العربية والإسلامية بالرغم من ان لها وجودا بارزا في مجالات علمية مثل الطب والهندسة واكتسب بعضهم سمعة كبيرة علي نطاق البلد أو المدينة أو حتي علي النطاق القاري الأوروبي والأمريكي، إلا أنه من الملاحظ في نفس الوقت ندرة شديدة بين الجاليات العربية في أمريكا وفي وجود كوادر فنية بارزة في العلوم الإنسانية أو في المجالات الثقافية والفنية ثم والأهم من ذلك كله في مجالات الإعلام. وبروز طبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي في أحد الميادين العلمية شيء مهم، ولكن الأهم منه والأكثر تأثيرا علي الرأي العام هو بروز كاتب أو فنان أو مخرج سينمائي أو مقدم ومعد للبرامج التليفزيونية أو صحفي له أسلوبه الخاص، وصناعة النجم الجماهيري في هذه المجالات أصبحت حرفة تجيدها الجاليات اليهودية في الغرب الأوروبي والأمريكي بينما من الواضح، وحتي الآن، أن الجاليات العربية والإسلامية في تلك المجتمعات بعيدة عن هذه المجالات أو حتي مستوعبة لأسس ومتطلبات هذه الصناعة الخطيرة ذات الأثر الكبير في تشكيل وجدان وعقل الرأي العام، بل إن هناك اتجاها قويا داخل هذه الجاليات العربية والإسلامية بتكفير جميع أشكال الفنون مثل الموسيقي والباليه والمسرح والنحت والتشكيل. أما بالنسبة للنشاط السياسي والاجتماعي للجاليات العربية والإسلامية في معظم المجتمعات الأوروبية والأمريكية، فترصد الدراسات التي أجريت في هذا المجال ان أكثر من 80% منهم لا يشتغلون بالحركة السياسية أو الفكرية في المدن والمجتمعات التي يقيمون بها. بل إن نسبة تصل إلي 70% من هذه الجاليات ترفض الاندماج في المجتمعات التي تعيش فيها ويقيمون في غالبيتهم العظمي في احياء خاصة تذكرنا بالجيتو اليهودي في القرن التاسع عشر، ويعيشون في دوائر عائلية ضيقة، ربما تمسكا بالقيم المحافظة القبلية والعائلية من المجتمعات التي جاءوا منها، وربما أيضا استفادة من تجارب سابقة لهم في هذه المجالات التي غالبا ما تكون محفوفة بالمخاطر في البلدان التي جاءوا منها. ويضاف إلي كل هذا عامل مهم وأساسي في إنتاج الشخصية الإرهابية في تلك الجاليات هو الموقف المنحاز لإسرائيل والمعاناة القاسية للشعوب العربية والإسلامية، وسياسات الهيمنة والسيطرة والتحكم التي تتبعها الولاياتالمتحدةالأمريكية بمشاركة أو صمت أوروبي معلن.