نشر الاتحاد الأوروبي أخيرا تقريرا عن المسلمين في أوروبا.. أحوالهم واتجاهاتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وموقفهم من المجتمعات التي يعيشون فيها وموقف هذه المجتمعات منهم. واعترف التقرير الذي أعده المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية الذي يقع في أكثر من 100 صفحة أن الجاليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية حوالي 15 مليونا يعانون من التمييز العنصري في بعض الحالات مثل التعليم وفرص العمل المتاحة والسكن إضافة إلي تكرار حالات الاعتداء عليهم من جانب متطرفين قوميين مثل الحركات النازية الجديدة والجماعات المنتمية إلي بعض التنظيمات والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا. كما يعترف التقرير أن كثيرا من المسلمين خاصة الشبان ومن هم في سن الجامعة والعمل يواجهون عوائق كثيرة عند محاولتهم النهوض اجتماعيا مما يؤدي إلي اليأس وفقدان الأمل والابتعاد عن المجتمع، ولكن التقرير يرصد في نفس الوقت ظاهرة تفشي الأفكار الأصولية والمتطرفة المعادية للغرب بين الشبان، ربما كرد فعل علي المشاعر العدائية من بعض الفئات المتطرفة في المجتمعات الأوروبية، وربما لوجود حركة مد أصولي مرتبة ومخططة من جانب بعض المدارس الأصولية الإسلامية بين الجاليات العربية والإسلامية. كما يرصد التقرير أيضا حقيقة أن الشبان المتهمين بتفجير مترو لندن وقطارات مدريد وغيرها من الأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء هم في غالبيتهم العظمي من أبناء أسر محافظة ويحملون الجنسيات الأوروبية. ويقع التقرير في 3 أجزاء يتناول الأول منها الحالة العامة للمسلمين وتنامي ظاهرة الخوف من الجاليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية.. أما الجزء الثاني فحافل بالمعلومات عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنشاطات الثقافية والسياسية للمسلمين في 13 دولة أوروبية لديها جاليات إسلامية كبيرة مثل فرنسا وانجلترا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والنمسا وأسبانيا وإيطاليا والنرويج وسويسرا واليونان وقبرص. ويبرز التقرير في هذا الصدد الأحياء الفقيرة والعشوائيات SLUMS التي يقيم فيها غالبية الأوروبيين من أصول عربية وإسلامية وتفتقد غالبية هذه الأحياء إلي كثير من الخدمات التعليمية والصحية. والحديث عن دور الجاليات العربية والإسلامية في المجتمعات الأوروبية لا يجب أن ينحصر مثلما كان الأمر في كل الدراسات السابقة التي قامت بها بعض المراكز العربية والإسلامية في المقارنة بين الدور العربي والدور اليهودي في تلك المجتمعات، فهناك خلافات كثيرة في الظروف والملابسات والتاريخ ولم يعد الهدف بالتأكيد وجود مراكز ضغط عربية علي الخط اليهودي. وقد طرح التقرير الأوروبي القضية من زاوية مختلفة تماما وهي إلي أي مدي تمضي عملية اندماج هذه الجاليات العربية والإسلامية في المجتمعات الجديدة التي هاجرت إليها، مع التأكيد بأن عملية الاندماج هي عملية لا يمكن أن تكون علي طريق ومسار واحد بل لابد أن تجري علي المسارين معا، مسار تقبل المجتمعات الأوروبية للمواطنين الجدد القادمين من بلدان تختلف في عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الثقافية، ومعاملتهم كأفراد في المجتمع وتقبلهم واستيعابهم، وأيضا محاولة هؤلاء المهاجرين والمواطنين الجدد تفهم واقع وظروف المجتمعات التي هاجروا إليها ليكونوا حلقة وصل إيجابية بين الوطن الجديد في المهجر وبين أوطانهم الأصلية. ولقد كانت أحداث سبتمبر 2001 في كل من نيويورك وواشنطن وتدمير برج التجارة العالمي وضرب جزء كبير من مبني البنتاجون مما أدي إلي مقتل حوالي 3 اَلاف من المدنيين الأبرياء بعضهم مسلمون وعرب علامة فارقة أضفت شكوكا كثيرة حول الدور الذي يلعبه الأصوليون الإرهابيون القادمون من مجتمعات عربية وإسلامية داخل الغرب الأوروبي والأمريكي وأعطي ذلك للأصوليين والمتطرفين والعنصريين في تلك المجتمعات فرصة كبيرة لإثارة حرب الثقافات والمطالبة بطرد الجاليات العربية والإسلامية والحد من الهجرة. ثم جاءت أحداث مترو لندن ومأساة قطارات مدريد والقضايا الأخيرة الخاصة بكشف خطط لتفجير طائرات بريطانية متجهة إلي الولاياتالمتحدة في الجو، كذلك التحقيقات التي تجريها ألمانيا حول اكتشاف خطة لتفجير بعض المحطات الأساسية للقطارات في ألمانيا لتضفي بعدا اَخر علي الموضوع. ففي كل هذه القضايا كان المتهمون عربا أو مسلمين وغالبيتهم حاصلين علي الجنسيات الأوروبية الأمر الذي يؤكد أن الجاليات العربية والإسلامية في تلك البلدان قد تدفع ثمنا باهظا مقابل حماقة تلك الجماعات الضالة والمضللة. وقد اشترك التقرير الأوروبي مع عدد من الدراسات التي قامت بها مراكز بحثية عربية في توصيف أوضاع الجاليات العربية والإسلامية في الغرب الأوروبي والأمريكي مؤداها أن الجاليات العربية تنشط بشكل واسع في المجالات التجارية ابتداء من ملكية التاكسي ومحلات البقالة الصغيرة حتي المقاهي والمطاعم والسوبر ماركت الكبير، ولكنها في نفس الوقت تواجه مشكلات حين يتعلق الأمر بنشاط إنتاجي واسع في المجالات الصناعية والزراعية. كذلك لاحظت هذه الدراسات أنه بالرغم من وجود بارز لبعض أبناء الجاليات العربية والإسلامية في مجالات علمية مثل الطب والهندسة واكتسب بعضهم سمعة كبيرة علي نطاق البلد أو حتي النطاق القاري فإنه من الملاحظ في نفس الوقت وجود ندرة شديدة بين تلك الجاليات في وجود كوادر فنية وثقافية بارزة في العلوم الإنسانية ومجالات المسرح والسينما والموسيقي ثم الأهم من ذلك مجالات الإعلام. ومثلما يسجل التقرير الأوروبي المعاناة التي يلقاها البعض من الجاليات العربية والإسلامية من تمييز في بعض المجالات مثل التعليم والصحة والإسكان فإنه يتفق أيضا مع تقارير أخري صادرة عن مراكز أبحاث عربية وإسلامية في أن النشاط السياسي والاجتماعي لتلك الجاليات في المجتمعات الغربية الأوروبية والأمريكية محدود وأن 80% منهم لا يشغلون بالهم بالحركة السياسية والاجتماعية والمجتمعات التي يقيمون بها. كما أن هناك نسبة تصل إلي حوالي 70% من هذه الجاليات ترفض الاندماج في المجتمعات التي تعيشها ويقيمون في غالبتهم العظمي في أحياء خاصة ودوائر عائلية ضيقة تذكرنا بالجيتو اليهودي في الماضي في المدن الأوروبية ويرسلون أبناءهم إلي مدارس إسلامية خاصة يسيطر علي غالبيتها الاتجاهات السلفية والأصولية ويخشون الاندماج حتي لا يفقدوا الهوية. إننا أمام تقرير يثير قضية علي جانب كبير من الأهمية فالجاليات العربية والإسلامية في الغرب يمكن أن تلعب دورا إيجابيا مهما كمعبر ثقافي وحضاري بين المجتمعات التي يعيشون فيها والمجتمعات التي جاءوا منها وبناء جسور الثقة والتلاقي وليس زرع ألغام متفجرة بالحروب الدينية والعرقية.