رغم تحسن وضع مصر في تقرير التنافسية المصرية، والذي أكد أن مصر احتلت المركز ال 50 بدلا من المركز ال81 حسب ترتيب مؤشر الاقتصاد الكلي في تقرير التنافسية العالمية الذي يضم 117 دولة. ومع ذلك التقدم في الترتيب فإن التقرير رصد الكثير من العوائق التي تقف أمام رفع التنافسية المصرية وعلي رأس هذه العوائق انخفاض جودة الموارد البشرية ولأن العنصر البشري هو الذي يقوم بتنفيذ كل السياسات في كل المجالات، فإن ضعف جودة هذا العنصر يؤثر بلاشك علي جودة كل العناصر التي تحدد التنافسية المصرية وقد أرجع الخبراء ذلك إلي تدهور التعليم وعدم الاهتمام الكافي بالتدريب. في البداية يوضح الدكتور محمود عبد الحي رئيس المعهد القومي للتخطيط السابق إن رفع التنافسية في مجال الموارد البشرية يعد مسئولية الحكومة بالدرجة الأولي. ويضيف ان ما أكده تقرير التنافسية من تراجع جودة الموارد البشرية نتيجة طبيعية في ضوء ما نعرفه من ضعف الانفاق علي برامج التدريب وكذلك ضعف نوعية البرامج التدريبية. وكذلك نتيجة لعدم استقرار التعليم علي مدي أكثر من ثلاثة عشر عاما لم نستطع خلالها ان نضع يدنا علي منهج تعليمي سليم. ويوضح الدكتور محمود عبد الحي ان التعليم في مصر أصبح متخلفا منذ أصبح يلهث وراء احتياجات سوق العمل دون الاعتماد علي اسلوب علمي لتحقيق ذلك وتخلي عن المواد الأساسية التي تشكل عقلية المتعلم. ويضيف ان أكبر خطأ وقعنا فيه هو خلطنا بين المناهج التعليمية التي تشكل عقول المتعلمين وبين برامج التدريب التي تؤهل المتعلم لسوق العمل. ويتساءل الدكتور عبد الحي: كيف نتكلم عن الارتقاء بالموارد البشرية ونحن نقتل المواهب في ظل تخمة المعلومات التي تحرص علي حشو مخ الطالب بأكبر كمية منها دون ان نعلمه مهارة استخدام هذه المعلومات ويعتبر ان تدهور مستوي الخدمة التعليمية نتيجة طبيعية ايضا لعدم التأهيل الجيد للمدرس ويؤكد انه لا يوجد بلد متحضر يتعامل مع مدرسي التعليم الاساسي بنظام العقود المؤقتة التي تشعره بعدم الأمان وتشجعه علي ان يتعامل مع مهنته كتجارة. ويحذر الدكتور عبد الحي من خطورة تراجع جودة التنمية البشرية ويؤكد ان العنصر البشري هو الذي يقوم بكل الأعمال وان صعوبة الإجراءات والتراخيص والبيروقراطية باعتبارها مؤشرات تضعف من تنافسية مصر فإنها ترتبط بصورة مباشرة بعدم جودة تنمية العنصر البشري الذي يقوم علي تلك الأعمال فالبشر ليسوا آلات وبالتالي فإن عدم تحقيق الاستقرار وعدم تمتعهم بالديمقراطية سيؤثر دون شك علي أدائهم في جميع الأعمال، وينتقد عبد الحي اهتمامنا بالرقابة علي جودة الأداء دون ان نبحث عن أدوات حكيمة لتحقيق هذه الجودة ويضرب مثلا بالخدمات التي يقدمها سائقو التاكسيات ويقول إنه لو كانت هناك نقابة منتخبة بطريقة سليمة تعبر عن هذه الفئة كانت ستكون أقدر علي ضبط أدائهم وكانت ستملك الأدوات التي تكفل الأداء الجيد لهذه الفئة. ويطالب الدكتور محمود عبد الحي وسائل الإعلام بأن تقوم بدورها في غرس ثقافة جودة العمل لدي الناس. مطلوب وقفة أما الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس وعضو الأمانة العامة للحزب الوطني وعضو مجلس الشوري فتطالب بضرورة وضع نظم أكثر دقة لضبط جودة التعليم والذي وصفته بأنه يتدهور يوما بعد يوم ويتطلب وقفة جادة لإصلاحه. وتضيف ان مجلس الشوري ينادي منذ فترة بإعادة هيكلة برامج التدريب دون جدوي، وتؤكد الدكتورة الحماقي ان الحل السليم الذي يضمن تحسن مؤشرات جودة الموارد البشرية يكمن في تطبيق موازنة البرامج والأداء، لأنها تتيح لنا الحكم علي مدي فاعلية كل جنيه ينفق علي التعليم والتدريب والصحة وغيرها من وسائل النهوض بالموارد البشرية. وتوضح اننا إذا طبقنا هذه الموازنة سنكتشف اننا انفقنا المليارات علي التعليم والتدريب دون ان نصل لنتيجة مرضية في كلا المجالين، وبالتالي فإن فاعلية الانفاق هنا ضعيفة للغاية وتحتاج لتعديل المسار. وتؤكد د. يمن انها قد قامت بنفسها بتجربة تطبيق موازنة البرامج والأداء أثناء تولي د. مدحت حسنين وزارة المالية وأثبتت تجربتها ان هذه الموازنة استطاعت حل مشكلات هيئة الأبنية التعليمية كنموذج لإحدي الهيئات التي طبقت عليها موازنة البرامج والأداء. ومن ناحيته يري الدكتور سمير رضوان رئيس منتدي البحوث الاقتصادية ان ما أكده تقرير التنافسية من تراجع جودة الموارد البشرية نتيجة طبيعية لعدم وجود منهج قومي للتنمية البشرية واعتمادنا في هذا المجال علي مجرد جهود متفرقة. ويضيف د. سمير انه طالما ان التعليم والتدريب لا يحققان احتياجات سوق العمل فلن تفلح أي جهود للتنمية البشرية. كما يؤكد د. سمير ان نظام التعليم في مصر هو نظام بحثي لا يحقق أي مهارات للطالب وكل ما نفعله هو إقامة الندوات والمؤتمرات دون فعل شيء حقيقي. ويضيف انه بدراسة تجارب كل الدول وجدنا ضرورة لوجود صندوق للتدريب يساهم فيه ويشرف عليه القطاع الخاص باعتباره اصبح المصدر الرئيسي للطلب علي التشغيل ومع ذلك لم تجد هذه الدعوة بإقامة الصندوق أي استجابة.