يتصاعد سعر الذهب أسرع من تصاعد سعر أية سلعة أخري علي الإطلاق بما في ذلك البترول.. صحيح أن سعر الأونصة هبط منذ أيام إلي 658 دولارا ولكنه كان قد وصل قبل ذلك بأيام أخري قليلة إلي 730 دولارا وهو أعلي سعر للأونصة منذ 26 سنة.. وتقول مجلة "نيوزويك" إن الخبراء يتوقعون أن يزيد سعر الأونصة علي ألف دولار في الأشهر القادمة بل إن هناك من يتوقع وصول سعرها إلي 15 ألف دولار. ويؤكد ميشيل لينتش بيل خبير المعادن في ايرنست اند يونج أن وصول سعر أونصة الذهب إلي خانة الاَلاف أمر لا يمكن أبدا استبعاده في الوقت الذي يزحف فيه سعر برميل البترول إلي 100 دولار. وتشير حقائق السوق إلي أن الطلب علي الذهب يتصاعد سواء من أجل صناعة المجوهرات أو لاقتنائه كجزء من احتياطي ثروات الأمم خاصة في اَسيا والشرق الأوسط أو من أجل الاستثمار الفردي والجماعي. وفي تقرير أصدرته جولدمان ساكس مؤخرا يقولون إن تصاعد سعر الذهب تم بقوة وسرعة فسعر التوازن للأونصة كان لا يتجاوز ال 350 دولارا خلال العشرين سنة الأخيرة ولكنه قفز في الأسابيع الستة الماضية وحدها ليصبح 650 دولارا للأونصة أي نحو ضعف ما كان عليه. والسؤال هو كيف حدث ذلك؟ الحقيقة أن الذهب سلعة استثنائية ولا يقاس عليها، فاستخدامات العملية قليلة وهو يعكس البترول لا يستهلك "عدا في بعض الأغراض الصناعية القليلة" وبالتالي فإن الذهب لا يثير مشكلة احتمال الندرة التي تعد عنصرا حاسما في تحديد أسعار السلع الأخري.. ويعد الذهب مخزنا للقيم شأنه في ذلك شأن النقود ولس مجرد معدن نفيس مثل النحاس أو القصدير. ويقول تقرير جولدمان ساكس إن الذهب ظل لسنوات طويلة مراَة لحالة الدولار فكان سعره يصعد إذا هبط سعر الدولار والعكس أيضا صحيح أي إنه كلما كان الدولار قويا ومستقرا يظل الذهب ضعيفا ومستقرا.. ثم شهد عام 2005 تغييرا بنيويا في هذه المعادلة حيث انكسرت تلك العلاقة بين الذهب والدولار. ففي عام 2005 بدأ الذهب يصعد بسرعة أكبر كثيرا من سرعة هبوط الدولار حتي استوت العلاقة بينهما من جديد ولكن عند سعر توازن اَخر للأونصة هو 650 دولارا بدلا من 350 دولارا كما كان من قبل. ويتوقع جولدمان ساكس أن يرتفع سعر التوازن للأونصة مرة أخري إلي 800 دولار في بدايات العام القادم 2007 مع ملاحظة أن الذهب يمكن أن يواصل ارتفاعاته إذا ما هبط سعر الدولار بشدة.. ولابد أن نتذكر هنا أن سعر أونصة الذهب بلغ في عام 1980 نحو 851 دولارا وهو ما يساوي 2149 دولارا بأسعار هذه الأيام "أي بحساب معدلات التضخم". وتقول مجلة "نيوزويك" إن الذهب صار قابلا للتداول مثل الأسهم وأن تداوله يتم كثيرا عبر الانترنت ونتيجة لذلك زاد الطلب الإجمالي علي الذهب للاستثمار بنسبة 37% في العام الماضي وارتفع حجم مقتنيات الذهب الاستثمارية من 2.1 مليار دولار عام 2005 إلي 2.10 مليار دولار في الوقت الراهن وهذا تطوير يفوق أحلام حتي خبراء التعامل في الذهب. وهناك اتجاه لفتح صناديق استثمار في الذهب بالشرق الأوسط حيث إن الإقبال علي الذهب في تصاعد مستمر. وعلي جانب اَخر زاد الطلب العالمي علي الذهب في صناعة المجوهرات بنسبة 5% في العام الماضي بفضل الإقبال علي المجوهرات في الصين والهند وأصبح إجمالي وزن الذهب المستخدم في صناعة المجوهرات العالمية نحو 7.2 مليون طن.. كذلك تحولت البنوك المركزية من بائع للذهب إلي مشتر له في هذه الأيام. ويؤكد خبراء مجلس الذهب العالمي وجولدمان ساكس معا أن البنوك المركزية في كل من روسيا والصين ودول الشرق الأوسط والأرجنتين تبحث شراء الذهب في المستقبل القريب كوسيلة لتنويع احتياطياتها من النقد الأجنبي بدلا من الدولار. وفي نفس الوقت فإن المعروض من الذهب في الأسواق العالمية في حالة جمود، فبعد أن هبط سعر أونصة الذهب إلي 252 دولارا في التسعينيات توقفت كثيرا من الشركات عن استخراجه ورغم الزيادة الهائلة في أسعار الذهب فإن إنتاجه لم يزد إلا بنسبة 1% في العام الماضي ولذلك فإن هناك من الخبراء من يتوقع أن يصل سعر أونصة الذهب إلي 6 اَلاف دولار في السنوات العشر القادمة إذا ما توقف بنك الاحتياط الأمريكي عن رفع أسعار الفائدة وحدث هبوط شديد في سعر الدولار.