ربما لم يواجه مجتمع المال والأعمال بل والشعب الألماني كله خلال السنوات الأخيرة تعبيرا ملتبسا ومثيرا للجدل مثل تعبير "الإصلاحات الاقتصادية"، فهذا التعبير الذي ظهر منذ سنوات قليلة علي يد حكومة المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر أثار من الأسئلة أكثر مما قدم من إجابات بشأن مستقبل الاقتصاد الألماني وسبل خروجه من نفق الركود الذي يعاني منه منذ مطلع الألفية الثالثة تقريبا. وعندما نجحت المستشار الألمانية أنجيلا ميركل في الإطاحة بشرودر خارج مبني المستشارية في الانتخابات التي أجريت العام الماضي ورثت المستشارة الجديدة تركة ثقيلة بخاصة أجندة الإصلاح الاقتصادي. وأصبح السؤال الذي تواجهه المستشارة الألمانية ميركل حاليا يتعلق بماهية الإصلاحات الاقتصادية في ألمانيا مع تنامي المخاوف من تلاشي التحسن الطفيف الذي سجله الاقتصاد الألماني خلال الفترة الأخيرة نتيجة الزيادة المنتظرة في الضرائب وفشل جهود إنعاش سوق العمل والقضاء علي القيود البيروقراطية التي تعرقل عجلة الاقتصاد. وكان الاقتصاد الألماني قد دخل بالفعل مرحلة الركود منذ عام 2002 حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي له 8.0% خلال السنوات الأربع الأخيرة. ومع ذلك كان العام الماضي يحمل بعض المؤشرات الإيجابية التي دفعت الكثيرين إلي توقع وصول معدل النمو خلال العام الحالي إلي 2%.. وبدلا من الاستمرار في تنفيذ أجندة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في العام الأخير من حكم شرودر اتجهت ميركل إلي زيادة الضرائب بصورة ربما يكون لها تداعيات سلبية علي مستقبل التحسن الهش في الوضع الاقتصادي. فقد قررت الحكومة زيادة ضريبة القيمة المضافة "المبيعات" من 16% إلي 19% بدءا من يناير المقبل.. كما قررت قبل أيام زيادة الضريبة علي الأغنياء وذوي الدخل المرتفع ليصبح الشخص الذي يحصل علي أكثر من 250 ألف يورو سنويا مطالبا بدفع 45% منها للضرائب. ويتوقع محللون حدوث طفرة في الاقتصاد الألماني خلال العام الحالي حيث سيندفع المستهلكون إلي شراء السلع المعمرة والأصول الثابتة قبل بدء تطبيق ضريبة المبيعات الجديدة مطلع العام الحالي. في الوقت نفسه يتوقع المحللون تراجعا واضحا في أداء الاقتصاد الألماني خلال العام المقبل بعد فرض الضريبة الجديدة. ولعل مما يزيد الصورة قتامة بالنسبة للاقتصاد الألماني حالة الغموض التي تحيط بمستقبل الانتعاش الاقتصادي العالمي في ظل الارتفاع القياسي في أسعار البترول العالمية وما يشكله ذلك من تهديد للنمو الاقتصادي العالمي خاصة أن القوة الاقتصادية الكبيرة في العالم تستورد البترول لكي تبقي علي دوران عجلة الاقتصاد. ويري محللون أن حكومة المستشارة ميركل أقدمت علي مخاطرة كبيرة بالرهان علي زيادة الضرائب بهدف تمويل الموازنة العامة وخفض معدل العجز فيها. فعلي الرغم من تمرير هذه الخطط داخل الحكومة ودعم بعض الخبراء لها فإن هناك أصواتا تري أن مثل هذه الضريبة الجديدة سوف تزيد الضغوط علي الاقتصاد الألماني الأمر الذي يعني مزيدا من التباطؤ. ففي الوقت الذي تري فيه الحكومة الألمانية أن زيادة الضرائب يوفر لها إيرادات كافية لتمويل النفقات العامة فإنها تخاطر بخروج المزيد من الاستثمارات من الاقتصاد الألماني بحثا عن ملاذات ضريبية اَمنة وقريبة في الوقت نفسه من السوق الألمانية.. فهذه الاستثمارات تتجه شرقا نحو دول شرق ووسط أوروبا التي تقدم تخفيضات ضريبية كبيرة لجذب الشركات الكبيرة من أوروبا الغربية للعمل فيها. ففي دراسة لمعهد "زد اي دبليو" أحد أهم المعاهد الاقتصادية في ألمانيا يظهر أن متوسط ضرائب الشركات في ألمانيا يصل إلي 36% في حين أن متوسط هذه الضرائب في دول الاتحاد الأوروبي ككل ينخفض إلي 7.23%. ومع استمرار الضريبة المرتفعة في ألمانيا يستمر دفع الشركات في نقل استثماراتها إلي الخارج لتزاداد مشكلة البطالة تعقيدا. ومشكلة البطالة هي "أم المشاكل" في ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية.. فقد قفز معدل البطالة قبل نحو شهرين إلي أكثر من 12% وهو أعلي معدل له منذ الحرب العالمية الثانية. ورغم تراجع المعدل خلال الشهرين الماضيين فإن الخبراء يرون أنه تراجع موسمي تقليدي لا يشير إلي تحول جوهري في اتجاهات سوق العمل بألمانيا. وكان مكتب العمل الاتحادي الألماني قد أعلن قبل أيام تراجع معدل البطالة في ألمانيا خلال ابريل الحالي إلي 5.11% في إشارة إيجابية جديدة إلي قدرة أكبر اقتصاديات أوروبا علي التعافي. وانخفض عدد العاطلين بدون وضع المتغيرات الموسمية في الحسبان الشهرالجاري بمقدار 187 ألف شخص تقريبا إلي 74.4 مليون عاطل وهو خبر سار بالنسبة لحكومة المستشارة أنجيلا ميركل. ولكن مكتب العمل الاتحادي انضم إلي خبراء الاقتصاد في التحذير من الإفراط في الاحتفاء بهذه الأرقام لأن نمو الاقتصاد الألماني مازال أضعف من أن يؤدي إلي تحسن حقيقي في سوق العمل الذي يعاني من مشكلات مزمنة. والمعروف أن سوق العمل في ألمانيا يشهد تحسنا طبيعيا خلال فصل الربيع بسبب انتعاش النشاط في قطاعات كثيفة للعمالة مثل قطاع التشييد والبناء والخدمات. ورغم ذلك تراهن حكومة ميركل علي بيانات البطالة الإيجابية التي صدرت مؤخرا لتخفيف الضغوط التي تواجهها من جانب الناخبين بسبب استمرار معدل البطالة عند مستويات مرتفعة.