قال صاحبي لا أحب إسرائيل كما أني لست مغرما بأمريكا.. وراح يشرح لي طويلا لماذا هو لا يحب إسرائيل التي اغتصبت أرض فلسطين والتي ترتكب كل يوم كل ما هو ضد القانون والإنسانية مع الشعب الفلسطيني وراح صاحبي يذكر أمثلة علي وحشيتها وكيف تهدم البيوت علي ساكنيها وكيف تمارس دولة عملية الاغتيالات المهم أن صاحبي قال وقال الكثير عن سبب عدم حبه لإسرائيل ثم راح بعد ذلك يفسر لماذا هو ليس مغرما بأمريكا.. وقال الكثير عن "أبو غريب" السجن الذي فضح أمريكا في العراق وقال أيضا عن "جوانتاموا" الذي فضح وحشية أمريكا وقال كيف إن دولة الحرية والتي تدعي أنها حامية حقوق الإنسان قد انتهكت كل الحقوق حتي حقوق الأمريكان وكيف أنها لا تخفي تجسسها علي الاشخاص كل ذلك في إطار الحرب علي الارهاب.. والارهاب في نظر الأمريكان له مفهوم أغرب ما حدث في سجن أبو غريب.. هكذا قال صاحبي.. فالمقاومة للاحتلال ارهاب ودفع العدوان ارهاب.. وأخذ صاحبي يعيد ويزيد في أن بلد الحرية لم تعد حتي تحاول تجميل صورتها انها تفعل كل ما تراه ويراه حكامها وتختار له شعارات وألفاظا أقل ما يقال عنها أنها لا تمت للواقع والحقيقة بصلة.. فكل ما تمارسه من اذلال للعباد والبلاد وكل ما تفرضه من حسار وكل ما تقوم به من عدوان هو في النهاية من أجل الإنسان الحر ومن أجل السلام العالمي ومن أجل هناء البشر أجمعين. وأردت أن استفسر من صاحبي عن سر هذه الآهات المكتومة وهذا الانفعال والغضب والأمر ليس بجديد أو غريب ذلك أن المصالح هي الأعلي في السياسة الدولية ولا بأس أن نكسو تلك المصالح برداء المبادئ إذا استطعنا مبادئ الحرية والعدالة والسلام وحقوق الإنسان.. والديمقراطية وكل ما هو طيب وجميل.. تلك هي الأمور كما تجري ولا يخفي أمرها علي أبسط الناس.. فما الجديد الذي جعل صاحبي غضبان.. سألته.. فقال والحزن يقطر من نبراته كأنه يقدم تعازيه: هل رأيت كيف استقبل الكونجرس الأمريكي خطاب أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي.. وكيف أن تلك الفرصة التي أعطيت له ليلقي خطابه أمام جلسة خاصة لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب في "كابيتول هيل" وأن ذلك لا يحدث إلا في حالات قليلة ولا يحظي به أي رئيس دولة.. ثم دعك من هذا ألم تر كيف كان الحضور كاملا.. وهذا احدي المرات القليلة التي يكون فيها الحضور علي هذا النحو.. ثم دعك من هذا وتوقف معي أمام ما حدث لقد صفق الحضور وقوطع الخطاب بالتصفيق أكثر من أربعين مرة منها واحد وعشرون مرة وقف فيها النواب وهم يصفقون بشدة وحرارة وحماس وتأييد لما يقول أولمرت.. ثم تنهد صاحبي بعمق وهو يقول وفي الوقت الذي كان فيه الكونجرس الأمريكي يصفق بكل احترام وتأييد لرئيس الحكومة الاسرائيلية كانت قوات إسرائيل تقتحم رام الله وتحصد بالرصاص أربعة قتلي وما يزيد عن ثلاثين جريحا وكانت غزة كلها تحت الحصار.. وقد بلغ التأثر بصاحبي مداه حتي رأيت الدموع تطل بحياء من عينيه وهو يريد أن يحبسها. وقد أشفقت علي صاحبي لكني لم أخف خلافي معه.. وقلت يا صاحبي إذا كان هذا هو الواقع الذي تراه وهو أمر لا نحبه ولا نريده ولا نوافق عليه ولا نقره ولكن السؤال كيف نتعامل معه.. هل نتعامل بالرفض والشجب وكل ذلك.. لا بأس ولكن هذا لن يغير من الأمر شيئاً هل نقبل بذلك ونضع أيدينا علي وجوهنا ونتجرع اليأس والقنوط.. هذا أيضا لن يجدي.. لابد أن نتمسك بحقوقنا ولكننا أيضا لابد أن نحسن مخاطبة العالم وأن يكون لنا خطاب مفهوم ورؤية ممكنة.. ودعني يا صاحبي أراجع معك كيف تم الاعداد لخطاب أولمرت رئيس حكومة إسرائيل أمام الكونجرس حتي يحظي بكل هذا الترحيب والتصفيق.. وكما جاء في الصحف ووسائل الإعلام وليس بخاف أو مجهول لقد بني الخطاب ليرتدي رداء السلام وكذلك لكي يوضح أن إسرائيل كذلك ضد الارهاب وتعاني منه.. كما استخدم وسائل التأثير العاطفي حيث دعا عائلة الطالب اليهودي الأمريكي دانيل وولتس ابن الستة عشر ربيعا الذي توفي متأثرا بجراحه بعد اصابته في التفجيرات التي وقعت في تل أبيب ونفذها أحد عناصر الجهاد الاسلامي. وعلق أولمرت علي ذلك أن كل ذنب هذا الشاب أنه أراد أن يمضي عطلة عيد الفصح في إسرائيل مع ذويه.. ثم علا صوت أولمرت قائلا اسمحوا لي أن أعلنها صريحة لن نستطيع الخضوع للارهاب وكرر ذلك ثلاث مرات فكان لابد أن يقف الحضور تصفيقا لاسيما أن أولمرت قال لهم إن إسرائيل تعرضت خلال السنوات الست الأخيرة لأكثر من عشرين ألف محاولة لتنفيذ عمليات تفجير ضد المدنيين كما قال لهم أولمرت "اننا نقدس القيم والمبادئ التي تسترشد بها أمريكا" وقال لهم إن ابراهام لنكولن قال ذات مرة "أنا ناجح اليوم لأن هناك صديقا بالأمس آمن بي ولم يكن لدي قلب يسمح لي بأن أخيب آماله" وأضاف أولمرت واسمحوا لي أن أتعهد لكم بأن إسرائيل لن تخيب آمالكم.. وأيضا صفق له الكونجرس. ثم تأمل معي يا صاحبي أولمرت وهو يقول انني أمد يد السلام إلي محمود عباس الرئيس المنتخب ونحن مستعدون لإدارة مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية.. لقد تعلمنا أن نحدث تغييرا في مواقعنا.. فما واجبنا أن نتنازل عن قسم من الأراضي الموعودة لنا في سبيل السلام.. علينا أن نتنازل عن جزء من أحلامنا حتي يستطيع الآخرون أن يحققوا قسما من أحلامهم لنعيش كلنا حياة أفضل وهذه مهمة قاسية ومؤلمة لكن ضرورية ومن أجل ذلك اخترت حكومتي.. أنا ملتزم بذلك بكل قوتي. ثم وضح أولمرت وسط ذلك خطة الفصل فقال "نريد أن نبني مستقبلا مع جيراننا الفلسطينيين وإذا لم يتقدموا فسنتقدم وحدنا لأننا لا نستطيع أن نبقي مستقبلنا رهينة بأيدي الآخرين. وكان ختام خطاب أولمرت الذي قال فيه "هذا هو الوقت.. التاريخ سيحكم علي أبناء هذا الجيل حسب الخطوات التي سنسير عليها اليوم ثم أضاف لكم وللشعب الأمريكي أقول أيدوا عزما وقوة فنحن من الشعوب التي تقدس الحرية سنكون معكم بارك الله فيك يا أمريكا". وعندما اندفع أعضاء الكونجرس لمصافحته بعد انتهي من خطابه اندفع هو ليعانق عائلة الشاب الأمريكي اليهودي وولتس.. وبغض النظر عن رأينا في أولمرت وحكومته.. وبغض النظر عن رأينا في الكونجرس الأمريكي ورجاله فإن هناك عدة حقائق لابد أن نتوقف عندها حتي وان كنا لها غير محبين. أولا: أنه تم الاعداد لهذا الخطاب الذي ألقاه أولمرت بعناية فائقة لاثار ة عواطف الأمريكيين جمهوريين وديمقراطيين.. وقد عبر عن ذلك جون ورنر زعيم الحزب الجمهوري وأيده هاري ريد زعيم الحزب الديمقراطي "أنه في آخر خمسين سنة لم يشهد الكونجرس خطابا مؤثرا بهذه الطريقة وهذا المستوي" ولا شك أن الاعداد للخطاب ساهمت فيه أطراف عديدة ووضع بعناية فائقة وهذا أمر لابد أن نراه بغض النظر عن حبنا أو كرهنا لمحتوي الخطاب ذاته. ثانيا:- ان اللغة التي استخدمت في الخطاب.. لغة يفهمها ويقبلها الآخرون.. فهو يمد يد السلام.. وهو يدافع عن المدنيين.. وهو يريد أن يتقدم نحو المستقبل.. وبغض النظر عن الصدق في ذلك من عدمه.. فتلك هي لغة المعتدي.. فكيف يكون لصاحب الحق أن يعجز في أن يقدم للدنيا لغة تفهمها وتتعاطف معها.. علينا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال..؟ ثالثا:- ان الأمر لم يعد أمر أن نحب أو لا نحب أو أن نغرم أو لا نغرم.. لكن الأمر أصبح أن نعرف وأن نقدر علي نقدم خطابا تفهمه الدنيا وأن نسلك سلوكا يحترمه الآخرون أيا كانت توجهاتهم.. وليت الفلسطينيون يلتقون علي كلمة سواء وليت العرب كذلك. رابعا:- قبل أن نلوم الآخرين علي ما يقولون ويفعلون علينا أن ندقق فيما نقول وما نفعل.