الغناء من القلب

عبد الحليم حافظ

اقتصاد نفسي
حين يقترب مايو من الانتهاء فأنا اتذكر علي الفور عبد الحليم حافظ هذا المولود في يونية من عام 1926 وقيل في عام عام 1929 وتبدو مسألة تغيير سنة الميلاد صفة ملازمة لكثير ممن تربعوا علي قمة الغناء بداية من عبد الوهاب وام كلثوم ومرورا بفريد الاطرش ووصولا الي عبد الحليم حافظ وهي مسألة قد يهتم بها المطرب او المطربة ولكن هذا لا يؤثر في كثير او قليل بعد ان تعصد روح المطرب او المطربة الي السماء.
حين يقترب مايو من النهاية تتوالي التذكارت عن ايام كنت اري فيها عبد الحليم بعد السادسة مساء فور ان افرغ من عملي كسكرتير تحرير صباح الخير واتذكر ذلك اليوم الذي دخل فيه علي مكتبي زميل صحفي وقال: لسه قاعد في مكتبك انت ناسي انك من مراكز القوي وكان الرئيس السادات قد قبض علي كثير من رجال عبد الناصر وكانت كلمة مراكز القوي تهمة جديدة في قاموس المنافقين الدائم وهنا تدخل حسن فؤاد مصمم مجلة صباح الخير ليرفض مثل هذا الحوار بين اثنين من الزملاء وقال لهذا الزميل: لقد كنت لا تغادر مكتب منير من اجل ان تتصل بأي مسئول بسبب او بدون سبب وكان يقوم بتسهيل مهمتك كصحفي ويعتبر ذلك جزءا من عمله كسكرتير تحرير وهو من منع كثيرا من الاخطاء للعديد من الكتاب والصحفيين.
وحين وصل مثل هذا الكلام لعبد الحليم حافظ عن طريق شخص ثالث قرر عبد الحليم ان يمنع هذا الشخص من الاتصال به وان يتجاهله في اي مكان وقد حاول هذا الشخص مهاجمة عبد الحليم كثيرا بسبب او بدون سبب ولم يهتم به عبد الحليم كنت ازور عبد الحليم لنكتب معا مذكراته ومازلت اذكر ما قلته له ذات يوم ستكون انت السكين التي اشق بها بطن ظروف هذا المجتمع فقال وهل هذا يفيد في شئ؟ قلت: نفس الفائدة التي يحيا بها طه حسين بعد ان كتب الايام.
ضحك عبد الحليم حافظ متسائلا: وهل انا كطه حسين؟ اجبته: كل موهوب هو كائن فريد متميز وانت صرخة مصرية ضد الظروف القاسية.
كان عبد الحليم لا يحب الاحتفال بعيد ميلاده لانه يذكره بمن صرخ طالبا لها الحياة ولكنها رحلت واعني بها والدته بهانة تلك التي احبها كثيرا ولم ير صورة لها في حياته وكان يقول يوم القيامة ساطلب ان اجلس مع امي كثيرا وسأعاتبها لانها تركتني وانا مازلت طفلا اتذكر اني قلت له ستقول لك: بلاش عتاب ياحبيبي بلاش عتاب فضحك ليؤكد صحيح ما فائدة العتاب؟
وهاهي الايام تمر لو كان قد عاش حتي الان لكان عمره حسب اخر تاريخ ميلاد ارتضاه لنفسه ستة وسبعين عاما واثق انه كان سيغني للحب دون ان يقوم بتركيب طقم اسنان لانه كان يرعي اسنانه وكان يؤكد ان اسنان المطرب هي احدي ادوات الغناء
رحم الله الرائع الذي يأتي يوم ميلاده بعد اسابيع تقترب من الثلاثة ومن العجيب ان يوم ميلاده كان هو يوم وفاة سعاد حسني وكلاهما مازال يولد ويعيش في كل قلب عرف الحب.