اقتصاد نفسي كنا ثلاثة مجموع أعمارنا يقترب من المائتي عام، أولنا العالم الجليل الأستاذ الدكتور أحمد مستجير أكبر عالم مصري في علوم الوراثة والمهندس البارع في مجال الهندسة الوراثية وهو من سبق له أن توصل إلي زيادة انتاج الأرز والذرة ويرعي أبحاثا لا تقل قيمتها ونوعيتها عن تلك التي تجري في معامل الكون لزيادة طعام الكرة الأرضية عن طريق الهندسة الوراثية، وعمره يزيد علي السبعين عاما حفظه الله لنا والثاني هو الروائي العبقري صانع الرؤية للمستقبل من خلال سؤاله الذي يقف وراء الكثير من رواياته "هو امبارح راح فين؟" فكانت اولي قصصه بعنوان "شاب من ألف عام" ومن أهمها علي الاطلاق ما تنبأ به بما يحدث حاليا في مجتمعنا وأعني بها رواية "شطح المدينة" التي قرأتها منذ ستة وعشرين عاما وكنت أظن أنها فانتازيا من الخيال الأسود ولكن أثبتت لي الأيام أنها واقع حي يعيش بيننا وهذا موضوع آخر سأتناوله في مرة قادمةوعمره واحد وستون عاما وأعني به الروائي الموهوب جمال الغيطاني والثالث هو كاتب هذه السطور الذي يعمل منذ ثمانية وأربعين عاما بالكتابة وأحاول ان استرد طوال الوقت حقائق القوة والضعف في الواقع اليومي وأرنو بعيون الخيال الي مجتمع يستطيع ان يري أين موقع أقدامه وإلي أين يسير مستقبله. وكان د. أحمد مستجير قد انتهي في ستة أسابيع من ترجمة كتاب "الطريق إلي السوبر مان" لكاتب أمريكي شاب في الواحدة والثلاثين يملك شركة لتصميم برامج الكمبيوتر ولأنه من عشاق العلم التطبيقي انزلق الي غواية رؤية ما يحدث في العلوم التطبيقية من محاولات لتعزيز عمر الإنسان وكان مثل هذا البحث متفرعا الي تفاصيل تتعلق بقدرة البشر الآن علي اختيار نوع الجنين فضلا عن التخلص من أي جنين يتكون وبه اي جين مسببا لمرض ما فضلا عن مقاومة الشيخوخة بوسائل الهندسة الوراثية. قضيت مع الكتاب قرابة الاثنتي عشرة ساعة من القراءة الدقيقة، ودرسه جمال الغيطاني في وقت لا أعرف قدره، نظرا لأنه قارئ شديد الاحتراف، وفتح الكتاب آفاق أفكار في برنامج يقدمه جمال الغيطاني علي قناة دريم، وبعد ذلك تساءلت كيف أنتج الأمريكيون شابا في الواحدة والثلاثين من العمر يأخذ من أوقاتنا نحن الثلاثة ساعات طويلة من الاستيعاب والمناقشة لنطل علي المستقبل نحن الذين تبلغ أعمارنا قرابة قرنين من الزمان، ورغم ذلك كان الكتابة يدفعنا جميعا إلي آفاق رحبة شديدة الرحابة، بينما نحن نضيق علي أنفسنا كل يوم ونعوق أقدام الشباب عن الأمل بما نقدمه لهم من يأس وجدران علمية مسدودة عبر احتقار قدراتهم. وبعد نهاية الساعة قلت للدكتور أحمد مستجير وللروائي الكبير جمال الغيطاني: فلنكره أمريكا ما شئنا، ولكن أين نحن مما يقدمونه لتطوير العلوم؟ ووافقني علي ذلك. وفي رحلة العودة من المناقشة كانت شوارع وسط القاهرة مسدودة من أجل مظاهرات لا تسمن ولا تغني من شوق إلي المستقبل.