في احدي الدول العربية ومع بداية العام الميلادي الحالي فإن احدي الجمعيات الاسلامية قامت بتوزيع كتيبات تدعو المسلمين إلي عدم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم وتقول انه لا يجوز تهنئة الكفار..! والمثير للدهشة أنه في الوقت الذي تدعو فيه هذه الجمعية إلي عدم جواز تهنئة الكفار فإن الدولة التي تنتمي إليها لا تنتج علي سبيل المثال شيئا وتستورد من هؤلاء الكفار كل ما تحتاجه من مواد غذائية وأدوية وجميع المنتجات الصناعية، كما أن ابناء هذه الدولة لا يفضلون إلا دول "الكفرة" في التوجه إليها للسياحة أو للتعليم.! وهو تناقص في التعامل يعكس الازدواجية القائمة في العقل العربي المسلم تجاه قضايا هي أساس صراع الحضارات بين الشرق والغرب وهي التي تفجر نوعا من الفتن والمشاكل التي نحن في غني عنها! فنحن نريد أن نصمهم بالكفر وألا نبتسم لهم ونبارك لهم أعيادهم ثم نحن بعد ذلك نريد منهم أن يحترمونا ويحترموا إسلامنا ويناصروا قضايانا ويمنحونا السلاح أيضا لكي نحاربهم به..! واستمراراً لنفس هذا النهج في ثقافة التحريض علي غير المسلمين فإن الكثير من خطباء المساجد في العالم العربي من المحيط إلي الخليج مازالوا في دعائهم الذي يردده وراءهم جموع المصلين يطلبون "الخسف" والدمار لغير المسلمين من أبناء القردة والخنازير ولا يجدون من يقول لهم كفي.. وهذا لا يجوز وهذا ضد روح الدين الإسلامي وتعاليمه، ولن يجدوا لأن نفوذ الجماعات والتيار الديني المتشدد في العالم العربي أصبح عاليا لا يصلح معه النقاش أو الجدال..! ولم يكن غريبا في ظل هذا النهج الغريب أن يأتي بعض خطباء المساجد في مدينة الاسكندرية ليقفوا علي المنابر ويقوموا بتكفير غير المسلمين والتهكم والدعاء عليهم والتحريض علي اجتنابهم وعدم معاملتهم رغم أن هذه المدينة الجميلة كانت علي شفا الوقوع في حفرة طائفية عميقة، وكان الأجدر بهؤلاء الخطباء أن يكونوا أكثر وعيا وحكمة وفهما للدين وأن يقوموا بدلا من ذلك بإبراز روح التسامح والسمو والسلام في دين الإسلام. ان الخطاب الديني في حاجة إلي الخروج من دائرة استعداء الآخرين، وتصوير الأمور علي أن هناك مؤامرة دائمة وتربصاً واقعاً بالإسلام والمسلمين، فالواقع انها مؤامرة من داخلنا وان الخطر يأتي منا، فنحن لا نجيد لا عرض قضايانا ولا اظهار جوانب الحق والعدل والخير في ديننا الحنيف وتركنا هذه المهمة لبعض خطباء المساجد الذين يفتقرون أحيانا إلي الثقافة المتكاملة وإلي القدرة علي القراءة السليمة للأحداث الجارية فيندفعون في حماس خاطئ لإثارة جموع المسلمين دون أن يتوقفوا ليسألوا أنفسهم وماذا بعد إثارة المشاعر وتحريض المسلمين وغليان الدم في شرايينهم وعروقهم..! والإجابة انه العنف بعد ذلك، وانه الطريق إلي التطرف والفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد والاستشهاد، وانه الطريق إلي العمليات الانتحارية التي يعتقد من يقومون بها في الصباح انهم علي موعد مع الحور العين في المساء! وقد حدث ذلك في مصر، وحدث في السعودية، وفي الأردن وفي الجزائر وفي المغرب أيضا وسيظل يحدث في كل مكان في العالم العربي والإسلامي ما دام صوت العقل والتنوير غائبا، وما دامت البيئة صالحة لغرس أفكار الموت والاستشهاد وما دامت الناس لا تجد ما يشجعها علي أن تتعلم كيف تحب الحياة!! والمسئولية لا تقع علي عدد من الدعاة المتشددين فقط وبعض خطباء المساجد من أنصاف المتعلمين بقدر ما تقع أيضا علي النظم والحكومات العربية التي لم تستطع أن تقيم مجتمعات الرفاه والعدل وتكافؤ الفرص لتقضي علي روح الحقد والتطلعات الطبقية والفجوات الاجتماعية التي هي الطريق لاستعذاب الموت وكره الحياة والزهد فيها..! لقد انعقد الكثير من المؤتمرات التي تبحث في أسباب وكيفية التقارب بين المسلمين وأصحاب الديانات والحضارات، واتفقت جميعها علي ضرورة تغيير وتحديث الخطابات الإسلامي والبعد عن التشنج والعصبية في عرص قضايانا، ولكن هذه المؤتمرات لم تركز كثيرا علي أن الطريق لاكتساب ثقة الآخرين واحترامهم تبدأ بأن نكتسب ثقتنا واحترامنا أولا في أنفسنا وفي قدراتنا وفي اسهاماتنا في صناعة الحضارة الإنسانية الحديثة دون الاكتفاء بالحديث عن الماضي وتذكير العالم بفضل الثقافة الإسلامية. فالواقع أن الخطاب الإسلامي يجب أن يركز علي عملية نهوض الأمة من الداخل، وعلي استثمار مواردها بشكل جيد، وعلي إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، وعلي مواجهة الفقر والتخلف والأمية في عالمنا العربي، فالطريق الوحيد لإقناع الغرب أننا لسنة أمة ارهابية هو أن تكون مجتمعاتنا نموذجا للعطاء والعمل، وأن يروا التطبيق السليم للإسلام في مجتمعاتنا، فلا يمكن أن نصف الآخرين بالكفر وأن ندعوهم للإسلام بينما الاسلام غريب في بلاده ولا يوجد نموذج إسلامي رائد نستطيع أن نتباهي به وأن نقدمه إليهم وندعو إليه..! إنها حقا أزمة مسلمين وليست أزمة إسلام..! [email protected]