اقتصاد نفسي أخيرا استجابت السماء لدعاء مئات من عرفوا قيمة علي ابوشادي الناقد السينمائي الكبير. كنت اتابع احواله الصحية من خلال الصديق الكبير د. جابر عصفور، ولم ارغب في ان اثقل عليه بأي زيارة؛ فقد كانت غرفته كما قيل لي مزدحمة بكل من عرف قيمته كمفكر بالصورة، وآه من عذاب ان تخترق الواقع اليومي من خلال الصورة، فأمريكا مثلا تكشف عن قدراتها الحياتية من خلال افلام مثل "الاب الروحي" و"تيتانك"، وفلسطين تكشف عن نفسها من خلال "بوابة الشمس"، ومصر المتوهجة بالألم والامل تكشف عن نفسها بأحب الافلام المصرية الي قلبي، وهو فيلم "شفيقة ومتولي" الذي يبلغ جمال كل مشهد به درجة عالية من الجمال التشكيلي، ويمكنني ان اؤكد ان كل مشهد هو لوحة تتفوق علي ما صنعه الفنانون المسحورن بالشرق منذ ثلاثة قرون، وهي لوحات كشف عنها المؤسس الكبير للثقافة المصرية ابان 23 يوليو واعني به استاذنا الدكتور ثروت عكاشة. واغلب الظن ان الشريان الاورطي للنبيل الراقي علي ابوشادي قد انجرح مما يعانيه يوميا كرقيب للسينما حيث يستقبل سيناريوهات لافلام تكسب الملايين مثل افلام الصيف في الاعوام الاخيرة، ولكنها تكنس من العقول القدرة علي التفكير، وتهب الناس حق السخرية من انفسهم.. والمصيبة ان ممثلي هذه الافلام ونجومها من كبار الموهوبين، ولكن ظروف الانتاج تدفع المنتج الي الهزل الشديد فضلا عن ان الازمات الاجتماعية تمسك بتلابيب المجتمع فلا يعرف احد كيف يخرج برؤية لهذه السيولة في الاحداث، فمثلا كان وجود تاجر عملة منذ عشرين عاما يستحق فيلما عن صعود انسان من القاع الي اقراض الدولة، ولكن حاليا صار طبيب القصر العيني يقف حائرا عندما يكتب كلمة "خروج" للمريض الذي جاء في حادثة، وسبب الحيرة هو كيف يقنع الطبيب هذا المريض بأن يخلع ثوب المستشفي؛ لان الثوب عهدة علي الممرضة، ولكن المريض لا ثوب له ولا احد من اهل السينما بقادر علي تتبع حياة المصريين كما تابعها مثلا صلاح ابوسيف في "الزوجة الثانية" او "القاهرة 30" او "شباب امرأة" وان يوجد مثقف مصري رفيع القيمة علي رأس جهاز الرقابة ويري هذا "الهزل" باسم الحرية لابد ان يصاب بكل امراض الدنيا. عاد لنا علي ابوشادي وظهر علي المسرح لاول مرة في حفل المهرجان القومي للسينما ولمجرد ظهوره امتلأ القلب بالفرحة؛ فقد خرج من الخطر الدائم الي الخطر اليومي وهو الغرق في سيناريوهات اغلبها قليل القيمة وقليل منها يملك معني ورسالة.. فليمتعه الله بالصحة ويهبه القدرة علي التحمل. حمدا لله علي السلامة ايها المثقف النبيل.