الناس فيما يعشقون مذاهب، وكل شخص خفيراً كان أو وزيراً له الحق في أن يحب من يشاء، حتي لو كان حباً من طرف واحد. ورغم أن الإدارة الأمريكية الحالية تحظي بازدراء النصف الأذكي من الأمريكيين أنفسهم، وكراهية الغالبية العظمي من أمم العالم، بسبب سياساتها الرجعية داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، فان من حق من يشاء أن يقع في غرامها ويتدله في حبها ويخطب ودها بجميع الصور. وهؤلاء الذين يحبون الإدارة الأمريكية الحالية موجودون بوفرة في عالمنا العربي حالياً رغم بشاعة السياسات الإمبراطورية لهذه الإدارة وبالذات ضد العرب. وهم لا يكلون ولا يملون من أن يتحفونا بسيل لا ينقطع من "الآراء" الممالئة لإدارة المحافظين الجدد التي اختطفت مراكز صنع القرار في الولاياتالمتحدة. لكن "الرأي" شيء و"المعلومات" شيء آخر. بينما تمتلئ صحفنا العربية ب "مقالات" و"مقابلات" تتغزل في مزايا إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدان العربية، منفردة ومجتمعة، وبين أمريكا، تتوالي في مراكز صنع القرار الأمريكية تطورات أخري معاكسة تصمت عنها صحفنا. من هذه التطورات ما حدث في مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء الماضي حيث تم التصويت علي مشروع قرار ضد المملكة العربية السعودية، يطالبها بأن تنهي تماماً جميع أشكال مقاطعة إسرائيل بحجة الوفاء بالتزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية. كما تم تمرير قانون ضد السودان، دون أن يستثني النواب الأمريكيون مصر من الانتقاد. كل هذا في يوم واحد! أما التفاصيل التي لن تجدها في أية جريدة مصرية، وانفردت بها الزميلة حنان البدري في تقرير اخباري بعثت به من واشنطن إلي صحيفة "الخليج"، فهي أن الكونجرس أصدر قراراً يحمل رقم 370 ينص علي "أنه علي المملكة العربية السعودية الوفاء بالتزاماتها طبقاً لاتفاقية منظمة التجارة العالمية وإنهاء جميع أشكال مقاطعة إسرائيل وأن علي الرئيس الأمريكي والممثل التجاري الأمريكي ووزيرة الخارجية الأمريكية الاستمرار في معالجة هذا الموضوع وحث الحكومة السعودية بقوة علي الوفاء بالتزاماتها وإنهاء مقاطعتها لإسرائيل". أي إن الكونجرس "الأمريكي" لم يصدر قراراً متعلقاً بمسألة تخص "أمريكا" بل تخص "إسرائيل"! وبالطبع فان هذا القرار لم يتم تمريره في صمت، وإنما بعد جلبة وضوضاء صب فيها النواب الأمريكيون الموالون لإسرائيل سموم كراهيتهم للعرب علي السعودية واتهموها بمختلف أنواع الاتهامات بما فيها "معاداة السامية"! وقالت الزميلة حنان البدري إن فقرات القانون الخاص بطلب إلغاء المقاطعة السعودية لإسرائيل جاءت من منظمة "ميمري" الصهيونية التي يرأسها إيجال كارمون العضو السابق بالمخابرات الإسرائيلية الذي عمل مستشاراً في شئون الجاسوسية المضادة لدي اثنين من رؤساء وزراء إسرائيل السابقين هما: إسحاق شامير وإسحاق رابين. أي إن مشروعات القوانين الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط أصبحت تصاغ علي أيدي "ترزية قوانين صهاينة" يبصم عليها أعضاء مجلس النواب الأمريكي! ونقلت حنان البدري عن مراقبين في واشنطن توقعهم ان تتعرض مصر لحملة انتقاد في الكونجرس وخارجه، وأن تتوسع هذه الحملة خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، وربطوا ذلك أيضاً بموقف مصر والمجموعة العربية الأخير بالنسبة للسودان وطلب إرسال قوات من حلف شمال الأطلنطي إلي دارفور. وبالتوازي مع ذلك شهدت لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي هجوما مماثلاً علي مصر، شارك فيه أحد الأعضاء الذين ما طالما دافعوا عنها من قبل هو ديفيد أوبي الذي وجه أسئلة غاضبة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، تركزت علي موضوع الحكم علي الدكتور أيمن نور بالسجن، ووصف "ديفيد أوبي" التهم التي سجن أيمن نور بسببها بأنها تهم "ملفقة" وقدم اقتراحا بتخفيض المساعدات الأمريكية لمصر، والبالغة 3.1 مليار دولار كمساعدات عسكرية و455 مليوناً كمساعدات اقتصادية، واضاف النائب الأمريكي الذي كان حتي الأمس من النواب المقربين لمصر "إنني أنوي أن أكون في مقدمة هؤلاء الذين يطالبون بقطع كل فلس عن مصر"! وبالعودة إلي جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي، تنقل لنا حنان البدري صورة عن الجو غير "الودي" تجاه السودان حيث لاحظت تفريق أعضاء الكونجرس بين حكومة السودان وجنوب السودان. وفيما توالت كلمات أعضاء الكونجرس ضد حكومة السودان استمرت حملة جمع توقيعات مليون أمريكي لمطالبة الرئيس جورج بوش بوقف التطهير العرقي في دارفور وذلك بالتوازي مع إعلان مجموعات اليهود الأمريكيين اسبوع صلاة من اجل دارفور وتبني عدد من الجامعات والناشطين الامريكيين الدعوة الي منع الشركات الامريكية من التعامل مع الشركات المتعاملة مع السودان.