فيما يشبه الإنذار ويذكرنا بأيام الإنذارات والتهديدات وطلبات الإذعان أصدرت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن اضافة إلي ألمانيا، بيانا تطالب فيه إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم في فترة أقصاها شهراً، وتحذرها بأنها ستواجه اجراءات حاسمة من مجلس الأمن بما في ذلك فرض العقوبات. وبيان أو انذار برلين الذي شارك في إصداره وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن اضافة إلي ألمانيا يجري نقلة نوعية علي مشكلة الملف النووي الايراني منذ احالة الملف إلي مجلس الأمن ويفتح الباب واسعا أمام احتمالات كبيرة كلها تنذر بأزمات ساحقة. وكان الرد الإيراني مزدوجاً ردود لفظية جاءت علي لسان هاشمي رافسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، إن ايران في حالة فرض عقوبات عليها لن تكون وحدها المتضررة، بل سيطول الدول التي تسعي إلي المقاطعة وأصدقاءها أضراراً وخسائر أكبر. أما الرد الثاني فكان عمليا حين أعلنت إيران في اليوم التالي لصدور بيان أو انذار مجلس الامن، عن تجربة ناجحة لاطلاق صاروخ بعيد المدي وقادر علي الإفلات من اجهزة الرادار وضرب أهداف محددة، واهمية ذلك لاتنحصر في امكانية الحاق اضرار بالغة باسرائيل فقط، بل بالولايات المتحدة التي اصبحت جارة لايران بقواتها في العراق، وبالقواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية المنتشرة في دول الخليج.. ولعل ذلك هو الذي دفع الدكتور محمد البرادعي المدير العام لهيئة الطاقة الدولية والذي زار منطقة الخليج في الاسبوع الماضي، بأنه في حالة فرض عقوبات علي ايران، فأنها ستضر الجميع معربا في نفس الوقت عن أمله في تفادي ذلك ومقللا من لهجة الانذار الذي صدر في برلين واعتبره امتداداً للمساعي الدبلوماسية لحل الازمة. وبين الاصرار الايراني، والاصرار الغربي الامريكي الاوروبي حول منع ايران بأي شكل وبأي وسيلة من تملك أي اسلحة نووية أو حتي أن يكون لديها مخزون من الطاقة النووية لاستثمارها في التنمية وفي اغراض سلمية، نجد انفسنا والأمر كذلك امام حرب باردة حقيقية قد تتحول في أية لحظة الي حرب ساخنة مدمرة خاصة بعد ان قررت ايران بعد تحويل الملف الي مجلس الامن الي وقف التعامل مع المنظمة الدولية لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل والغاء برامجها الخاصة بالتفتيش المفاجئ وقد حاولت روسيا، ومازالت تحاول ان تلعب دور الوسيط وعدم تعقيد الازمة خاصة وان روسيا هي التي قامت بإنشاء وبناء القاعدة النووية الايرانية في بوشهر، ومازال يعمل هناك حتي الآن عدد من الخبراء الروس، وبالرغم من ان روسيا والصين قد وافقتا علي احالة الملف الايراني لمجلس الامن وأيضا في بيان برلين الاخير، الا ان روسيا مازالت تؤكد اعتراضها علي اي محاولة لاصدار قرارات بالمقاطعة او توقيع عقوبات اقتصادية ضد ايران، كما اعلنت الصين اكثر من مرة انها مع الحق الايراني في امتلاك طاقة نووية لاستثمارها في اغرض سلمية.. وجاء الزلزال الذي ضرب إيران وفي اعقاب بيان برلين، والدمار الذي تسبب فيه بمثابة إنذار آخر لجميع الاطراف عن مدي الخراب الذي يمكن ان تسفر عنه معركة شد الحبل القائمة بين ايران والدول الاعضاء الدائمين في النادي الذري فيما لو تحول شد الحبل إلي شد الزناد. الغريب في الأمر أن بقية دول العالم خاصة العالم الثالث وبشكل أخص الدول العربية يقفون موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعني سوي الاطراف المتشابكة مع ان القضية تهمهم بالدرجة الأولي وباعتبارهم كانوا ومازالوا الطرف الرئيسي الذي يعاني الاستغلال والقهر من قبل اعضاء النادي الذري الدولي المعلن عنه مضافا إليه اسرائيل التي تسعي إلي احتكار ملكية الترسانات النووية لأغراض تتعلق باستعراض القوة وفرض السلطان والاستغلال والهيمنة. نحن أمام معركة من أهم معارك الحرب الباردة الجديدة، والتي يمكن ان تتحول في أية لحظة إلي حرب ساخنة مدمرة حيث يملك الغرب الأوروبي والأمريكي مجموعة من أوراق الضغط، منها استصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية أو في الحصار الاقتصادي علي إيران. ومنها ما تفكر فيه أمريكا بالفعل في ضرب وتدمير المفاعل النووي الايراني بتحريض ومشاركة من اسرائيل، علي غرار ضرب المفاعل النووي العراقي في أوائل الثمانينيات، وهناك ما يؤكد أنه قد جرت أخيرا مناورات وتدريبات أمريكية اسرائيلية مشتركة حول هذه الضربة الخاطفة، وهناك أوراق أخري تتعلق بزيادة معدلات التخريب الداخلي ومساندة المعارضة الايرانية المسلحة خاصة جماعة مجاهدي خلق. كما أن ايران وفقا للسيناريوهات والامكانيات تملك هي الأخري أوراقا مهمة ومؤثرة يلعب بها وعليها القادة الايرانيون علي رأسها البترول المصدر الرئيسي للطاقة الدولية حتي الآن، وايران هي الدولة الثانية في منظمة الأوبك في انتاج وتصدير البترول وأي اجراء عنيف ضدها يعني ارتفاعا مأساويا لأسعار البترول العالمي في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بالفعل نتيجة الازدياد والمطرد في أسعار البترول - من المعروف أن في اسعار البترول قد تضاعفت خلال العامين الماضيين - وهو الأمر الذي يثير مخاوف كثيرة من الدول الصناعية خاصة ألمانيا وفرنسا واليابان والصين والتي تعاني بالفعل من البطالة وتدني معدلات الانتاج باستثناء الصين. وهناك ايضا اسرائيل التي يمكن ان تصلها الصواريخ الايرانية بعيدة المدي ثم لا ننسي الحقائق الجديدة في الأعوام الماضية حيث أصبح للولايات المتحدة وجودا عسكريا في العراق وأفغانستان وكلا البلدين ملاصق لإيران اضافة إلي مجموعة من القواعد العسكرية البحرية والجوية الأمريكية في منطقة الخليج، وهي كلها يمكن ان تكون أهدافا لايران وصواريخها ومع احتمال أن تكون ايران قد توصلت بالفعل إلي تكنولوجيا صناعة القنبلة النووية. ثم هناك الموقف المتفجر في منطقة الشرق الأوسط والذي يمكن ان يؤدي إلي نتائج خطيرة منها زيادة الاتجاهات الاصولية المعادية للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص الأمر الذي يمكن ان يوسع من دائرة لشبكات الارهابية داخل هذه البلدان، ولعل ذلك هو الذي دفع أمريكا إلي القيام بمحادثات ولقاءات مع مسئولين ايرانيين حول الأوضاع المتردية في العراق، وهو اتجاه أمريكي جديد له تداعياته. والعالم العربي ومصر علي وجه الخصوص غير بعيدة جغرافيا ومصلحياً عن الصراع الذي يجري حول الملف النووي الايراني، وبالتالي فليس لدينا ترف الفرصة او المشاهدة والمراقبة من بعيد، فإيران قوة اقليمية لها وزنها في المنطقة ولها علاقاتها وارتباطها بالعالم العربي، واسرائيل هي العضو الوحيد في النادي الذري في الشرق الأوسط وتملك أكثر من مائة قنبلة نووية. ومن الطبيعي والأمر كذلك أن يتعاطف الرأي العام المصري والعربي في دول العالم الثالث عموما مع ايران وموقعها مثلما تعاطف مع كوريا الشمالية ورحبت شعوب الجنوب بنجاح الهند وباكستان في كسر احتكار النادي الذري لملكية هذه الأسلحة التي تستخدم لفرض السيطرة والهيمنة والابتزاز. وربما يكون ذلك مقدمة طبيعية لموقف عربي يطالب بالانتقال من معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية إلي معاهدة جديدة لتدمير جميع الترسانات النووية الموجودة بالفعل.