الزيادة المفاجئة التي اعلنت عنها الشركة المصرية للاتصالات في رسوم خدمات الاتصالات الهاتفية سببت صدمة للمشتركين الذين يعانون منذ سنوات عديدة المبالغة في قيمة الفواتير ربع السنوية المضاف اليها حزمة من الضرائب والرسوم والدمغات التي تمثل عبئا ماديا علي المشتركين. كما ان المبررات التي ساقتها الشركة لاقرار هذه الزيادة تعد غير مفهومة ولا مقبولة في ظل تحقيق الشركة لارباح ضخمة العام الماضي بلغت بعد سداد الضرائب ملياراً و831 مليوناً و871 الف جنيه بزيادة نحو 80% عن العام السابق. وبنظرة بسيطة علي هذه الزيادات نجد ان الشركة سوف تعزز ارباحها بمئات الملايين من الجنيهات مقابل زيادة الاشتراك الشهري ورفع قيمة الدقيقة الاولي من كل مكالمة وخفض عدد الدقائق المجانية الي 50 دقيقة أي انها ارباح ضخمة وليست طفيفة كما يصورها البعض، وبررت الشركة هذه الزيادة بإيقاف الخسائر التي تسببها خدمة الاتصالات المحلية كما انها تساهم في دفع برنامج تقديم خدمة الاتصالات في الريف وكأن المطلوب ان يقوم المواطنون بتمويل مشروعات التطوير بدلا من الوزارة، ولنا ان نتساءل اين تذهب الارباح؟ كما ان الشركة تحتكر خدمة الهواتف الثابتة دون شريك وترفض الوزارة دخول اي منافس للسوق قبل عام 2009 بدعوي ان وجود منافس آخر حاليا من شأنه ان يربك سوق خدمات الاتصالات غير الثابتة والعكس اي انها تبادل مصالح وارباحاً في السوق علي حساب المستهلك، مما يفتح امامها المجال لفرض زيادات اخري "واللي مش عاجبه!".. والامر العجيب ان الوزارة عاقبت منذ اسابيع شركتين تقدمان خدمة شبكة المعلومات "الانترنت" للمنازل والشركات لانهما خفضتا الاشتراك الشهري بحجة ان هذا يضر بالمنافسة في السوق!! وفي الوقت الذي تحرص فيه دول العالم علي خفض رسوم الخدمة لمواطنيها وتقديمها بصورة لائقة ومرضية، نقوم نحن برفع تعريفة الاتصالات ونقر الزيادة بأثر رجعي وحسنا فعل الدكتور طارق كامل عندما الغي العمل بهذا البند الذي ليس له اي سند قانوني او دستوري الا ان الشركة ابت علي الناس فرحتهم بهذه البادرة الطيبة واعلنت ان الفواتير الحالية سوف تدفع بالزيادة علي ان يسدد لهم الفرق في الفاتورة القادمة تحت بند "رصيد دائم" "هو بياخد من الحكومة حاجة!". ثم ان تخفيض تكلفة تركيب الخطوط الجديدة سوف يزيد من عائدات الشركة لاحقا لزيادة عدد المشتركين اي ان الشركة سوف تحقق المكاسب في كل الاحوال. هذه الزيادات تثير التساؤلات الملحة حول حقوق المستهلك الضائعة وكذلك غياب الشفافية والعدالة المطلوب توافرهما في مثل هذه القرارات، واذا كانت الدولة تتبني خصخصة الخدمات فليس معني ذلك ان نقيد المستهلك ونجرده من كل الاسلحة التي تضمن حقوقه داخل السوق مما يلزم معه سرعة اصدار قانون حماية المستهلك شريطة ان يتضمن آليات تنفيذية حقيقية للمراقبة واجراءات قوية للعقاب والمساءلة والتدخل السريع لعلاج اي خلل في السوق لصالح المتضررين من الممارسات الاحتكارية داخل السوق والا يصبح حبرا علي ورق. وبالتالي فانها تثير المخاوف المشروعة لدي المواطنين من ان تعقبها زيادات سعرية في قطاعات اخري بعدما امتد غول الغلاء ليحصد اسعار العديد من السلع الغذائية. والاستهلاكية وكذلك الخدمات، فارتفعت فواتير المياه والكهرباء والغاز وتعريفة النقل ولم يحدث عندنا قط ان يعود سعر اي سلعة الي سابقه اذا ما تحسنت ظروف السوق وذلك لان مؤشر الاسعار في مصر لا يعرف غير الصعود، ومنذ ايام جاء في بيان الحكومة ان هناك تراجعا في الاسعار، فلتتفضل الحكومة مشكورة بأن تدلنا علي سلعة واحدة انخفض سعرها في الفترة الاخيرة. إن خدمة الاتصالات الهاتفية لم تعد ترفا مع زيادة المسئوليات وكذلك ازدحام الطرق وصعوبة التنقل من مكان الي اخر، فأصبحت المكالمة الهاتفية بديلا ميسورا عن اداء الواجبات الاجتماعية والعائلية ولقضاء مصالح العمل احيانا، ولان التعريفة الجديدة اصبحت واقعا لا مفر منه فليس اقل من ان نطالب الشركة بتحسين الخدمة وتطوير مراكز الاتصالات "السنترالات" التي لم يشهد بعضها تطويراً منذ عقود وتزويدها بالمقاعد لراحة الجمهور ورفع مستوي النظافة بها والتنبيه علي الموظفين بحسن معاملة المواطنين، وكذلك تطوير خدمة اصلاح الاعطال لانها لا تتم الا بالواسطة او بدفع المعلوم ولا يضطر المشترك الي الانتظار عدة ايام حتي يأتيه الفرج، اما اعطال الحاسب الالي فحدث ولا حرج في ظل الحكومة الالكترونية. في النهاية يكون من حق المشترك ان يحصل علي فاتورة تفصيلية يدون بها وقت وقيمة وتاريخ كل اتصال هاتفي كما تفعل شركتا المحمول وليس فاتورة اقرب للوغاريتمات ويجب علي الشركة ان تتعامل بجدية مع شكاوي المشتركين من قيمة الفواتير المبالغ فيها احيانا والعمل علي حل المشكلة ولا تكتفي بالجملة سيئة السمعة المعيبة التي تقول "ادفع ثم اشتك" لان المشترك يضطر في النهاية لسداد الفاتورة وعندها يتأكد من ان الشكوي لغير الله مذلة.