لقد أصبح الإسراف الأمريكي ظاهرة معتادة إلي حد أن أي زيادة كبيرة للعجز في الميزان في الميزان الحسابي للولايات المتحدة صارت نبأ عاديا ولم تعد تتصدر الأنباء مثلما كان يحدث من قبل وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن عجز ميزان الحساب الأمريكي قفز في الربع الأخير من العام الماضي إلي رقم قياسي هو 225 مليار دولار ليصبح إجمالي العجز في عام 2005 نحو 805 مليارات دولار بنسبة 7% من إجمالي الناتج المحلي.. وقد أصبحت معرضة لدي الأمريكيين الإدعاء بأن العجز في ذاته لا أهمية له مادام لم يؤدي إلي انخفاض قيمة الدولار ولكن الموضوعات علي أية حال يمكن أن تتغير بسرعة. ويتوقع المراقبون أن يصل العجز في الميزان الحساب الأمريكي مع نهاية العام الحالي إلي تريليون دولار.. كذلك يعتقد الاقتصاديون في ABN AMRO أن استمرار الحال علي ما هو عليه في معدلات تصاعد العجز وأسعار صرف الدولار سيجعل نسبة العجز تصل إلي 12% من إجمالي الناتج الأمريكي مع نهاية العقد الحالي.. والمشكلة أن الواردات الأمريكية تفوق الصادرات كثيرا جدا لدرجة أن مجرد وقف الزيادة في العجز صارت تتطلب نمو الصادرات بمعدل يساوي ضعف النمو في الواردات. ولكن ما يحدث في الواقع يسير في الاتجاه المعاكس فأي زيادة في الطلب المحلي الأمريكي صارت تعني زيادة في الواردات بأكثر مما هو محتمل. ويقول ستيفن روتش خبير مورجان ستانلي إن الواردات صارت تمثل 37% من إجمالي مشتريات الأمريكيين حاليا بعد أن كانت لا تمثل سوي 20% فقط عام 1985.. وهذا معناه للأسف أن استمرار ازدهار الاقتصاد الأمريكي سيعني استمرار الزيادة في عجز الميزان الحسابي. أضف إلي ذلك أن تدهور دخل الأمريكيين من استثماراتهم في الخارج هو عامل اَخر يدفع العجز إلي أعلي.. وقد بدأ هذا التدهور يحدث بالفعل في الربع الأخير من العام الماضي وسوف يستمر ويتصاعد في العام الحالي 2006 حيث يزيد ما تدفعه أمريكا عن الاستثمارات الخارجية عندها سواء أكانت استثمارات مباشرة أو في أوراق مالية عما تجنيه من استثماراتها المماثلة في الخارج. ومن الناحية النظرية قد لا تكون للعجز علاقة بقيمة الدولار ولكن ما حدث في واقع الأمر أن قيمة الدولار بعد أن ظلت ترتفع في معظم شهور عام 2005 عادت لتنخفض أمام الين واليورو بنسبة 3% اعتبارا من شهر نوفمبر الماضي. وتفسير ذلك أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية قد دعم مركز الدولار ولكن البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الياباني قررا هما الاَخران اتباع سياسات تقشف حيث قرر البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة وقرر بنك اليابان التوقف عن سياسة التمويل بالعجز ويفكر حاليا هو الاَخر في رفع أسعار الفائدة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن قانون إعفاء أرباح الشركات الأمريكية المحولة من الخارج من الضرائب قد ساند مركز الدولار أيضا حيث انخفضت الاستثمارات المباشرة للشركات الأمريكية في الخارج إلي 21 مليار دولار فقط عام 2005 بعد أن كانت 252 مليارا عام 2004. ومع انتهاء الإعفاءات الضريبية هذا العام تشتد الحاجة لزيادة استثمارات الأجانب في الأصول الأمريكية وبالذات الأصول المالية مثل أذون وسندات الخزانة.. ولكن توتر العلاقات الاقتصادية مع الصين دفع البنك المركزي الصيني إلي تقليص استثماراته في السندات الأمريكية كما أن النكوص في عقد إدارة شركة دبي للموانيء الستة الأمريكية قد يدفع المستثمرين العرب إلي اتخاذ نفس الموقف الصيني. وهكذا بدأت الدائرة تدور علي الدولار وبدأت قيمته تتجه إلي الانخفاض.. وما لا يعرفه كثيرون هو أن قيمة الدولار بالرغم من ارتفاعها في عام 2005 لا تزال أقل بنسبة 28% أمام اليورو وبنسبة 13% أمام الين عما كانت عليه في عام 2002.. ويعتقد الاقتصاديون في بنك HSBC أن قيمة الدولار ستنخفض مع نهاية العام الحالي أمام اليورو والين علي حد سواء وسيصبح اليورو يساوي 1.35 دولار "حاليا 1.20 دولار" وأمام الين سيصبح سعر الدولار 108 ينات "حاليا 117 ينا". وهناك من الخبراء من يتوقع أن يكون ارتفاع قيمة الين أمام الدولار أكبر من ارتفاع قيمة اليورو أمامه خلال العامين القادمين.. فالين حاليا هو أرخص العملات الرئيسية بالنظر إلي أدائه في السنوات الطويلة السابقة، والمنتظر أن يسترد الين قوته أمام الدولار في الفترة القادمة دون معوقات كثيرة خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن اليابان هي صاحبة أكبر فائض في الميزان الحسابي في العالم حيث بلغ في العام الماضي 164 مليار دولار.