تعودت علي أن يطرق البوسطجي باب منزلي يومياً حاملاً مطبوعات من جهات وبلدان شتي. لكن هذا المظروف الكبير كان مختلفا، ولم أكن أنا الشخص المرسل إليه، بل كانت زوجة ابني الايطالية الجنسية. بعد أن قامت بفتح المظروف وإلقاء نظرة عابرة علي محتوياته تنفست الصعداء وقالت باستنكار: أخيراً! سألناها: خيراً! قالت: إنها أوراق انتخابات البرلمان بمجلسيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ التي ستجري في 6 ابريل المقبل. ثم شرحت لنا التفاصيل فهذا نظام بدأ العمل به منذ انتخابات 2002 لإتاحة الفرصة للمواطنين الايطاليين الذين يعيشون خارج ايطاليا لممارسة حقهم في التصويت، أما الأوراق المرفقة فتتضمن الآتي: - استمارة بالمرشحين لمجلس النواب (4 قوائم في الانتخابات المقبلة). - استمارة بالمرشحين لمجلس الشيوخ (6 قوائم). - استمارة بها شرح لكيفية التصويت عن طريق البريد تتضمن رسوماً توضيحية لكل كبيرة وصغيرة. - مذكرة تتضمن نص قانون الانتخابات للمواطنين المقيمين بالخارج، وهو القانون رقم 459 الصادر في 27 ديسمبر 2001. - مظروف مكتوب عليه عنوان القنصلية الايطالية 24 شارع الجلاء - بولاق - القاهرة، ملصقاً عليه الطوابع. أي إن الناخب الايطالي ليس عليه سوي أن يقرأ القانون ويتبع التعليمات المرفقة ويضع الاستمارة، بعد اختيار المرشحين الذين يفضلهم، في المظروف ويضعه في صندوق البريد، مع التأكيد علي أن الانتخاب شخصي وحر وسري، وأي شخص ينتهك أحد هذه الأمور الثلاثة يعرض نفسه للعقوبة بموجب القانون، والتأكيد أيضا علي أن من لا يقوم بالتصويت ثلاث مرات متعاقبة يحرم من حق الانتخاب. والأهم من هذه التفاصيل المتعلقة بنظام الانتخابات للمواطنين الايطاليين بالخارج أني وجدت اهتماما حقيقيا من هذه الفتاة الايطالية لممارسة حقها الانتخابي، حتي إنها فرحت بوصول الخطاب إياه كما لو كانت قد حصلت عي هدية ثمينة. هذه الحكاية الشخصية أرويها من أجل لفت الأنظار إلي أن لدينا عدة ملايين من المواطنين المصريين الذين يعيشون خارج البلاد، وان واجبنا اتاحة الفرصة لهؤلاء من أجل ممارسة حقهم الدستوري والمشاركة الايجابية في الحياة السياسية والتشريعية. ومن المفارقات أن نشكو من ظاهرة العزوف الجماعي عن المشاركة في الشأن العام بحيث إن أكثر من 78% ممن لهم حق الانتخابات قد أداروا ظهورهم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة. وفي نفس الوقت نحرم عدة ملايين من المصريين الذين يعيشون في الخارج من تحقيق رغبتهم في المساهمة في تقرير مصير بلدهم!