الجوائز تضع أصحابها في مأزق، إذ يظل مطالباً بأن يقدم الأفضل دوماً، مبرهنا علي أن ما حققه ليس أمراً استثنائياً أو قفزة غير قابلة للتكرار، ولابد أن هذا موقف واجهه القاص حسن كمال عندما أقدم علي إصدار مجموعته القصصية الثانية «لدغات عقارب الساعة» بعدما أحرز المركز الثاني في مسابقة ساويرس للقصة القصيرة لعام 2009 عن مجموعة كشري مصر، لكنه استطاع عبر صفحات المجموعة القصصية أن ينتصر لموهبته ولنفسه ويثبت أن ما حدث لم يكن استثناء. تبدأ المجموعة بقصة «لدغات عقارب الساعة» والتي جاء أسلوب الحكي فيها مختلفاً عن باقي قصص المجموعة.. علي هيئة نقاط متواصلة في حياة والد الراوي وصولاً إلي حياته هو شخصيا، حيث يمر أمامنا شهر «رمضان» كمثال علي التَغير الذي يحدث في حياتهما العائلية التي تبدو حميمية تغيرها الظروف الحياتية وانشغال كل شخص بذاته وحياته الشخصية فيحكي «رمضان عدي بسرعة قوي السنة دي».. قالتها زوجتي، هززت رأسي موافقاً.. لكنه كئيب علي غير المعتاد.. باستثناء أربع جمع أفطروا معنا فيها وسحورين.. تمثل القصة دليلاً قوياً علي التغيرات التي تحدث في جميع الأسر بسبب زواج الأبناء وسفرهم للخارج والتفكير فقط في جني الأموال فبعد أن كان يفطر الأبناء مع والدهم لأربع جمع في رمضان وسحورين - وكان هو متضجرا من ذلك - ينتهي الأمر إلي أن تقول الزوجة «مش رمضان عدي بسرعة قوي السنة دي؟!! هكذا كإعلان علي عدم قيام أي من الأبناء بمشاركتهم الإفطار ولو لمرة واحدة.. يبقي أن نقول أنه رغم الحنين الفياض المكتوبة به القصة إلا أن تَغير الراوي وانتقاله من الأب إلي الابن يؤدي لإرباك القارئ وطبعا قراءته القصة مرة أخري للفهم والربط. الهوة أصبحت تتسع بين الأبناء والآباء حتي لو كانوا يعيشون في بيت واحد حتي أن الأم في قصة «هي والثلاثة» يتم سرقة مظروف معاشها من الدولاب فتحتار في من سرقه من أبنائها الثلاثة هل هو ابنها الغاضب الثائر؟ أم الأحمق النادم دائما؟ وتتمني أن يكون العاقل الرزين الذي يتعامل معها علي أساس أنه ابنها الوحيد ولا يوجد غيره في المنزل.. تعرف الأم فيما بعد من سرق المظروف بعد أن تري آثار حقنة المخدر واضحة علي أحدهما.. هنا في هذه القصة نكتشف جانباً آخر من أسلوب «حسن كمال»- في الحكي فالقصة تترك الطريق مفتوحاً أمام القراء للتفكير فيمن سرق المظروف بالضبط خاصة عند قوله «.. تفتح الباب علي ولدها الوحيد.. عينان حمراوتان وجه شاحب نظرات زائغة.. تتأكد لها حقيقة تمقتها».. بمعني أن الكاتب ترك مساحة التفكير للقارئ ليفكر أكثر.. لكن استخدامه للفظ «ولدها الوحيد» لم يكن موفقا تماماً. القصة قبل الأخيرة من المجموعة.. «آثار علي الزجاج» هي القصة الأنضج في المجموعة كلها ليس لأنها القصة الحاصلة علي جائزة في مهرجان ساقية الصاوي للقصة القصيرة جداً لعام 2009 ، لكن لجمال موضوعها والإحساس الصادق الصادر من طفلة تبيع المناديل في إشارة مرور و"بيبي" صغير يداعبها بيده من داخل السيارة، وأحاسيس أخري متناقضة من والدة "البيبي" مابين الخوف علي ابنها من الطفلة الصغيرة، وحبها للبنت وشرائها اليومي لمناديلها دون الحاجة إليها.. لتبقي في النهاية نظرة لا تنتهي من البنت ل"البيبي" ومنه إليها وكأنه يعرف حقيقة مشاعرها تجاهه.. وربما تستحق هذه القصة أن تكون عنوانا للمجموعة القصصية كلها. المجموعة تمت كتابتها علي طريقة الحكي مع اختلاف الراوي في كل مرة فهو الابن في "لدغات عقارب الساعة" والأم الحائرة في "هي.. والثلاثة" وفتاة الليل في "بين ذراعين" وهو ما أسهم كثيرا في عدم ملل القارئ وتنوع الأفكار لأن اختلاف الأشخاص أدي لتوارد أكثر من حكاية. الجو العام في المجموعة حميمي للغاية، خاصة مع قدرة الكاتب علي استحضار لحظات شديدة الإنسانية وتقديمها في قالب أدبي راقٍ ظهر حتي في إهداء المجموعة القصصية إلي والده، خاصة مع المفارقة في أنها كانت آخر ما قرأ والده، يقول المؤلف: «فتساءلت أنا في حيرة: هل كانت هذه المجموعة حدساً أم فألاً؟ رأيت ابتسامتك الهادئة أمام عيني، وسمعت صوتك الدافئ يهمس في أذني: الأمر أبسط من ذلك، إنها الحقيقة»! الغلاف :من تصميم أحمد مراد.ألوانه تشي بارتباك وحيرة، لكنه مباشر جداً حيث ذلك الشاب الذي يجلس وسط عقارب الساعة لتتجمع حوله وكأنه يتلقي لدغاتها واحدة تلو الأخري.