منير عامر لا أحد يعرف قدر القلق الصامت الذي يلعب بعيون كل من يحترف الرسم في الصحف، ولكني ادعي لنفسي معرفة عميقة بهذا القلق من كثرة ما عايشت من رسامين كبار ، مثل جمال كامل وحسن فؤاد وحجازي الرسام، ورجائي ونيس وايهاب شاكر، وكثيرين غير هؤلاء وكان القلق هو الضيف الدائم الذي يدير نني عين كل منهم في اتجاهات متعددة ، يستكشفون به ما في قلوب الكتاب والمحررين ما يمكن ان يرسموه. والمعروف ان مدرسة روز اليوسف في الصحافة انها مصنع حي يتجدد اسبوعيا بالمواهب التي ترسم للمجتمع نقاط الخلاف بينه وبين "الامل" نعم هكذا عايشت الكبار من قادة روز اليوسف احسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين، وفتحي غانم وصلاح حافظ وحسن فؤاد وعبد الغني ابو العينين ومحمود السعدني ولويس جريس، وكل هؤلاء كانت مهمتهم الاساسية هي تكوين فكرة عن "الامل" الذي يتمناه رجل الشارع وقياس المسافة بينه وبين الواقع. ولذلك لم يكن سبباً لوجود اي كاتب او محرر لا يحترف العشق لقياس تلك المسافة بين الامل وبين الواقع. وجاءت السبعينيات من القرن الماضي لتحترف التصفيق بلا مبرر لكل شيء يحدث في الواقع علي اساس انه الامل ، خفتت جذوة الاشتعال الساعي لاستكشاف آفاق الغد وانعكس ذلك علي العمل اليومي في روز اليوسف وفقدنا الرسامين الكبار القادرين علي هذا القياس الصعب ، المسافة بين "الواقع" وبين "الامل". كنت واحدا ممن عانوا حقيقة واضحة ان مقالاتي ومشاريع كتاباتي لا تجد رساما يستطيع ان يتحمل مخاطرة البحث عن جمال ما قادم ، وان يزيح بريشته والوانه ضباب الببغائية التي سادت او ضحالة التعبير بسبب رقابة من قادة العمل الصحفي التي فاقت عصر الرقيب المباشر. واخيرا اقتحم عالمنا جيل جديد احد الكبار فيه الرسام محمد طراوي ، هذا الذي وقعت في هوي رسومه ، خصوصا حين يرسم بالقلم الرصاص او بالحبر الصيني وفوجئت به وهو يحترف الرسم بالالوان المائية واندهشت لقدر الحساسية البالغ الذي يحيط به هذا الفنان لوحاته فتجد في قلب كل لوحة من لوحاته جملة لونية تقود العمل الفني كله. وحين يقام له معرض جديد اجد نفسي في حالة انتظار للحظة صفاء اقوم فيها بالسفر عبر العيون الي عالمه الرحب والخصب ،فهو يذكرنا دائما بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم ، بل نعيش علي ارض لها جمالها ، ولذلك فهو القادر علي ان يلتقط موسيقي المكان بقدرة كبيرة. ومعرضه المقام في الجزيرة يستحق ان تسافروا الي جماله كي تغسلوا اعماقكم من ادران هذه الايام. منير عامر