اقتصاد نفسي لا اعلم ان كان الفنان مصطفي عبد الوهاب قد دخل غرفة العمليات لتركيب دعامات لشرايين القلب ام مازال ينتظر ، ولكني اعلم يقينا ان قيمة مصطفي عبد الوهاب ترتفع عاليا كلما زادت مرات لقائي به ، فهو الفنان الذي يشع صدق عواطفه ، فتفيض دائما لتروي صحراء العداء الناشب بين البشر. مازلت اذكر اول لقاء بي معه ، فقد ذهبت لرؤية لوحة للفنان الكبير محمد ناجي من الرعيل الاول، وتعرفت عليه كمشرف ومدير لمتحف الفنون الجميلة بشارع منشا بالاسكندرية، ولهذا المتحف في حياتي علامات واضحة ، فبجانبه مكتبة البلدية التي شهدت ضحكاتي وانا اقرأ توفيق الحكيم في "عودة الروح" ، وشهدت ايضا دموعي عندما بدأت في قراءة كتاب "مدخل الي الفلسفة" لازفلد كولبه، وكان مترجمه هو الراحل الكبير محمد ثابت الفندي استاذ ورئيس قسم الفلسفة ، اتذكر دموعي عندما لم افهم ، لا لشيء الا لان العمر كان اثني عشر عاما .. وفي متحف الفنون الجميلة قابلت المعارض واللوحات وخطوات حسين صبحي مدير بلدية الاسكندرية وعاشق الفنون الرفيعة. ومنذ ان التقيت بمصطفي عبد الوهاب حتي احسست اني اعرفه لحظة ان خلق الله العالم ، ووجدت فيه انسانا يحسن تقدير زملائه واساتذته من كبار الفنانين ولم يدخل مع احد معركة بلا سبب ولم يتوان لحظة واحدة عن خدمة كل من يطلب منه شيئا. ويكفي ان تري نظرات الاعتزاز التي تلمع في عيني سيد من سادة التصوير في زماننا محمد حامد عويس وهو يتحدث عن قيمة مصطفي عبد الوهاب الفنان والانسان ومعروف ان كل من تخرج في الفنون الجميلة بالاسكندرية يحمل درجة من المودة المغموسة في جميل التذكار لحامد عويس حين يدرس لطلبته منذ انشاء كلية للفنون الجميلة في الاسكندرية ، فهو لم يحصر تلاميذه ابدا في تقليده كي يكونوا نسخا مقلدة له ولكنه الحريص علي ان يلتقط كل فنان اسلوبه الخاص من واقع تجربته، وهو يذكرني بجلال احمد بهاء الدين الكاتب الكبير الراحل ، ويذكرني بفتحي غانم الروائي العملاق ، وقد اهدي الاثنان الصحافة المصرية العديد من الموهوبين غير المقلدين لاحد ، واطال الله في عمر حامد عويس كي يمدنا بالمزيد من الاجيال غير المقلدة. وفي زيارتي الاخيرة للاسكندرية صحبني مصطفي عبد الوهاب الي منزل المعلمة الكبيرة في دنيا الرسم مريم عبد العليم ، وعلي الرغم من ان مصطفي كان في قسم التصوير "الرسم بالزيت" ومريم ومازالت استاذة في قسم الحفر "الرسم بالرصاص والحبر الشيني وصناعة نسخ محدودة من كل لوحة عبر طباعتها بطرق فنية معقدة علي الرغم من ذلك فالصداقة والاحترام التي توجد في قلب جيل الاساتذة لمصطفي عبد الوهاب تفوق الوصف ، ولكنها تطل من نظرات العيون. أثق ان الله سيشمل برعايته مصطفي عبد الوهاب هذا الفنان الكبير لا علي مستوي الابداع فقط، ولكن علي مستوي الانسان، ففي بعض الاحيان يتخاصم الفنان مع الكائن الاجتماعي، وقد تنتفخ الذات جريا وراء عظمة متوهمة، ولكن الفنان والانسان عند مصطفي عبد الوهاب لا تختلفان بل يغذي كل منهما الاخر بشبكة من الفهم العميق لضعف وكبرياء البشر. حفظك الله أيها الفنان الجميل.