في ظل حالة الشد والجذب التي أبرزتها الأزمة النووية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة، أسفرت الوقائع عن إحالة الوكالة الملف النووي إلي مجلس الأمن الدولي، لتدخل إيران في حالة مواجهة الاشتراطات، التي راحت تتمحور حول إيقاف عمليات تخصيب الوقود والموافقة علي استمرار عمليات التفتيش لمواقعها النووية. ومن هنا راح الموقف الإيراني يفصح عن محاولاته لاستيعاب القرار وهو ما انعكس بحالة من القلق والترقب في أسواق البترول العالمية التي أضيف اليها عامل جديد من عوامل دفع الأسعار للمزيد من الارتفاع، اذ تمثل إيران ثاني اكبر مصدر للبترول في أوبك وثالث اكبر مصدر له علي مستوي العالم. سلاح البترول ومع هذه التطورات لجأت إيران التي كانت تطالب العرب بأن يستخدموا بترولهم للوقوف في وجه "الشيطان الأكبر" وجدت نفسها تهدد الغرب بأنها ستستخدم البترول كسلاح وستوقف صادراتها البترولية إذا عرقلت الدول الغربية برنامجها النووي. ويبدو أن سلاح البترول رغم التلويح به منذ بداية الأزمة الإيرانية مع الغرب نهاية العام الماضي، إلا أن النظام الايراني قد فضل اللعب بورقة البترول كآخر أوراقه نظرا لانه يمثل نحو 80% من دخل البلاد وهو ما جعل البعض يطلق عبارة "التهديد بما لا يمكن الاستغناء عنه"، علي الجانب الآخر يبدو الحذر الأمريكي والاوروبي عند التعامل مع الملف الايراني، ففي الوقت الذي تبدو فيه الولاياتالمتحدة شديدة الإصرار علي فرض عقوبات تخف اللهجة الأوروبية وتنشط المساعي الروسية تفاديا لما قد يسفر عنه اي تحرك إيراني لخفض الصادرات البترولية في سوق يعاني الكثير من الاضطرابات وهو ما جعل الوضع كارثيا للدول المستهلكة اذ قررت إيران اللعب بهذه الورقة. ثبات الإنتاج ورغم إحالة الملف النووي الايراني لمجلس الأمن، إلا أن الإدارة الإيرانية التزمت البعد عن ورقة البترول في الوقت الحالي، وهذا ما جاء علي لسان وزير البترول الايراني خلال اجتماع أوبك الأسبوع الماضي والذي أكد فيه بقاء الإنتاج الايراني من البترول عند مستواه الحالي دون اي خفض رغم الضغوط الغربية التي تمارس علي طهران وايدت الادراة الإيرانية إبقاء إنتاج أوبك عند نفس المستوي الحالي وهو 28 مليون برميل يوميا، ولعل هذا ما دفع الاسعار للتراجع قليلا عند مستوي 59 دولاراً للبرميل في نايمكس نهاية الأسبوع الماضي. إلا ان أسواق البترول خلال الأشهر الأخيرة قد عكست تطورات هذه الأزمة، فقد ارتفع سعر برميل البترول في نيويورك 10% منذ مطلع السنة بحيث تجاوز 67 دولارا ويميل بشكل جدي باتجاه السعر التاريخي الذي حققه نهاية أغسطس الماضي (85.70 دولار). كما أسرع المتعاملون الي احتساب ما يعنيه توقف الصادرات الإيرانية وخسارة 2.6 مليون برميل يوميا من اصل أربعة ملايين تنتجها ايران. وهذا الحجم مهم جدا بالنسبة للاستهلاك العالمي للبترول (84 مليون برميل يوميا) لكن الأمر يشكل خطرا إذا آخذنا في الاعتبار التوتر الذي تشهده السوق البترولية منذ عامين او ثلاثة نظرا لارتفاع حدة الطلب الصيني علي هذه المادة. تهديد عالمي وتمثل المستويات الحالية من الاسعار تهديدا للاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الأمريكي بشكل غير مباشر والاقتصاد الصيني بشكل مباشر نظرا لتأثر الاولي بارتفاع الأسعار عالميا والثانية بحجم وارداتها من البترول الايراني وتبقي المصالح الروسية والعلاقات التجارية واستثمارات شركاتها في ايران في مقدمة الاجندة الروسية التي كثفت من جهودها لاحتواء الأزمة في حين تمثل الشركات الفرنسية والبريطانية العاملة هي الاخري في ايران والأرصدة الإيرانية في البنوك الاوروبية ورقة ضغط علي الترويكا الاوروبية جعلت التقليل من أهمية تحويل ملف ايران النووي لمجلس الأمن مستبعدة فرض العقوبات. ومن ثم وبناء علي ما سبق يري المحللون ان التلويح باستخدام سلاح البترول الي جانب المصالح الاوروبية والروسية في ايران تجعل من هذا السلاح أداة فعالة سبق وان استخدمتها فنزويلا في وجه السياسة العدائية الأمريكية تجاهها. ويؤكد الخبراء ان ايران التي تملك 10% من الاحتياطي العالمي للبترول و15% من احتياطي الغاز الطبيعي هي "بدون أدني شك أحد مفاتيح مستقبل" الطاقة في الكرة الأرضية. خسائر مشتركة وعلي الجانب الآخر يقلل بعض المحللين من مدي فاعلية استخدام إيران سلاح البترول، إذ يرون انه لن يؤثر في إمدادات البترول الأمريكية لأن الولاياتالمتحدة لا تستورد البترول الإيراني منذ أكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي فان معاناة الولاياتالمتحدة ستتمثل في ارتفاع الأسعار فقط، ويمكنها التخفيف من تلك المعاناة عن طريق استخدام الاحتياطي الاستراتيجي. أما الأوروبيون فإنهم سيلجأون إلي استيراد المزيد من أفريقيا ودول الخليج، وسيقومون بزيادة معدلات التشغيل في مفاعلات الطاقة النووية، وسيستخدمون الاحتياطي الاستراتيجي. سيوف خشبية ويري البعض ان الأمور لن تصل الي هذا الحد، فالجانبان يلوحان بسيوف خشبية وليس لاي منهما مصلحة في الظروف الحالية في استخدام ما يمكن ان يلحق ضررا فعليا بالطرف الآخر، اي سلاح البترول. ويشير الخبراء في تفسيرهم للظاهرة بانها ظاهرة "تبعية مزدوجة" لان دولة مثل ايران التي يرتبط 80% من عائداتها من العملات الصعبة علي البترول ستشعر بالضيق اكثر من زبائنها في الاوقات العادية في حالة وقف صادرات البترول. اما الآن فإن الظروف الحالية من التوازن الهش بين العرض والطلب في السوق البترولية يقود الي ان الطرفين سوف يتضرران.