مع الثروة البترولية الصغيرة التي تكشفت مؤخرا في تشاد وهي دولة تقع في وسط القارة الأفريقية وتحدها ليبيا شمالا والسودان شرقا وظهرت في نهاية التسعينيات، سارعت شركة اكسون موبيل والبنك الدولي لعقد صفقة لتجنب ما يعرف بلعنة البترول التي كثيرا ما تؤدي إلي صراعات قبلية وحروب أهلية علي الثروة وفي أحيان أخري تدفع إلي المزيد من الإفقار بدلا من العكس. إلا أن الصفقة تكاد توشك علي الانهيار والسبب ما تدين به الشركة للحكومة التشادية وتصل إلي 50 مليون دولار وهي قيمة عائدات البترول. ولدي اكسون كما يقول الخبراء خياران كلاهما صعب، الأول هو الاحتفاظ بهذه الإيرادات وهو ربما يؤدي إلي اضطرار الحكومة التشادية إلي وقف إنتاج الشركة.. والثاني هو تسليمها للحكومة مما يدفع اكسون للدخول في صراعات ساخنة مع البنك الدولي الذي يمثل جزءا من الصفقة فضلا عن الصراع مع الوكالات غير الحكومية النشطة. ويمثل هذا المبلغ قيمة شهرين من العائدات البترولية التي تدين بها الشركة الممثلة ل "كونسورتيوم" لتشاد نتيجة للامتيازات التي حصلت عليها للتنقيب واستخراج البترول ومن المفترض أن تذهب هذه العوائد إلي صندوق تابع للبنك الدولي وفقا لاتفاقها مع الحكومة التشادية يتم صرفها بتفويض من البنك مقابل دعمه السياسي والمالي لتشاد من هذه الإيرادات ويتم تخصيص معظمها لمشروعات تنموية مثل إنشاء المدارس والرعاية الصحية والطرق ومشروعات أخري مماثلة بدلا من أن تذهب هباء وتنصب في حسابات المسئولين. وتصل هذه الأموال إلي ما بين 20 و25 مليون دولار شهريا، إلا أن ا لبرلمان التشادي حقق مؤخرا من أوجه الاتفاق التي يفترض أن تكون متشددة وتحرص علي الترشيد مما دفع البنك الدولي إلي تجميد الحساب كما تعرضت المفاوضات بين الطرفين إلي الفشل في باريس مؤخرا. وقد دفع تناقص السيولة الحكومة التشادية إلي هذا المسلك علي اعتبار أن هذه الظروف تستدعي القتال للحصول علي هذه الأموال التي تحتاجها الدولة الأفريقية الفقيرة. وأشارت تشاد مؤخرا إلي أنها ربما تأمر اكسون بوقف الإنتاج إذا لم تقم بتوريد قيمة الامتياز مباشرة إلي الحكومة رغم ما في ذلك من خطورة علي تنفيذ أكبر مشروع في منطقة جنوب الصحراء الكبري وهو بقيمة 4.1 مليار دولار ويفترض أن يتم تنفيذه من خلال كونسورتيوم يضم بخلاف اكسون موبيل شركة شيفرون الأمريكية وشركة بتروناس الماليزية. ويرغب البنك الدولي ومجموعات أخري لها مصالح في الاتفاق في أن تنفذ شركة اكسون اتفاقها للتأكيد علي أهمية الشفافية في كيفية التعامل مع عوائد البترول في الدول النامية وتزعم اكسون موبيل وصناعة البترول أن هذا النموذج هو الأفضل لمواجهة وكبح جماح الفساد في تشاد أسوة بالكثير من الدول التي يختلس فيها المسئولون أو يقومون بتبديد عوائد البترول. ويري بعض المديرين ومسئولين في البنك الدولي أن الاتفاق يمثل نموذجا يحتذي به لمنع الفساد والتلاعب في ثروات الكثير من البلدان البترولية لمواجهة الفساد الحكومي ومحاولة تحويل هذه العوائد إلي أوجه إنفاق مفيدة تعود بالنفع علي السكان المحليين وليروا بعض النفع من عمليات استخراج البترول وتسويقه. وقام البنك الدولي وبعض المسئولين عن صناعة البترول بتعميم التجربة علي دول أخري في المنطقة، وكما سبق القول يقوم الاتفاق بين تشاد وشركة اكسون موبيل التي تقود الكونسورتيوم بتحويل العوائد إلي حساب تابع لصندوق النقد بهدف الإعلان بشفافية عن قيمة هذه المبالغ ومن ثم يتم إنفاقها علي مشروعات البني التحتية والتنموية. ورغم ما يدعيه البنك الدولي والشركات المتعاونة معه من فساد المسئولين وقيامهم بتبديد ثروة البلاد أو باختلاسها فإنه يشير بوضوح إلي الانتقاص من سيادة تشاد وبعض الدول أو المناطق الأخري في أفريقيا. إضافة إلي أن تحويل أوجه الإنفاق إلي أغراض أخري غير تنموية كما يتحجج البنك الدولي والشركات المتعاونة معه أحيانا ما يكون الغرض منها هو قمع حركات التمرد المتصاعدة ضد رئيس تشاد الشرعي إدريس ديبي. والمثير أن الرئيس ديبي وهو أول من دفع إلي إبرام الصفقة يرغب في حصول تشاد علي حصة أكبر من هذه العوائد لتغطية العجز المتزايد في الميزانية ويرغب في إعادة التفاوض حول شروط الصفقة. في حين يصر البنك الدولي واكسون علي ضرورة الالتزام بالاتفاق المبرم.. ومنذ عامين شيد الكونسورتيوم الذي تقوده اكسون موبيل خط أنابيب لنقل 200 ألف برميل يوميا. ومع اَفاق النمو المتوقعة واحتمالات زيادة الإنتاج يرغب مديرون ومسئولون دوليون كبار للتنمية في تجنب ما يعرف بلعنة البترول التي تؤدي إلي المزيد من الإفقار بدلا من تحسين الخدمات وزيادة مستويات المعيشة. إلا أن المثير في الأمر كله هو تحكم البنك الدولي وشركات البترول العملاقة الذي تزداد قوته يوما بعد يوم في مصير عدة دول أفريقية وتمحو سيادتها بالكامل بحجة التصدي للفساد الحكومي وتبديد واختلاس الثروات البترولية رغم أن هناك إمكانية لحماية هذه العوائد بدون التحكم في مصائر الحكومات والشعوب المغلوب علي أمرها. كما يشكك بعض الخبراء في قيمة عوائد البترول التشادية ويرون أنها ضعيفة للغاية ويتساءلون إلي أن تذهب بقية الأموال؟ والسؤال الاَخر الأكثر إلحاحا: إلي أي مدي تكسب الشركات البترولية العملاقة من الدول الأشد فقرا في العالم في عالم باتت فيه مثل هذه الشركات تتحكم في مصير الدول؟ وبالأمس القريب دمرت شركات كبري للبترول اقليم نيجيري وأصابته بأضرار بيئية ضخمة أثناء التنقيب عن البترول، كما رفضت شركة "شل" الهولندية العملاقة دفع التعويضات التي قضت بها محكمة نيجيرية نتيجة وقوع هذه الأضرار.