ماجد عطية رحل الرجل في هدوء غير مسبوق بالنسبة لمن تولوا مناصب حساسة مثله، فقد تولي الرجل عدة مسئوليات تذكر له إذ ترك بصمة بارزة في كل موقع مسئولية تولاه. شارك د. فؤاد كمال حسين مع المرحومين د. عبد الجليل العمري والدكتور علي الجريتلي في إعداد تقرير علمي مدروس عن تقييم سياسة الانفتاح الاقتصادي بتكليف من المرحوم الدكتور عبد المنعم القيسوني وقت إن كان يتولي مسئولية القطاع الاقتصادي واستمر هذا التكليف برعاية المرحوم الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد عام 1978 وصدر هذا التقرير في نفس العام في حوالي 150 صفحة غير أن التقرير المذكور اختفي بعد صدوره وإن كان لي شرف الاحتفاظ بنسخة منه. كان يمكن اعتبار هذا التقرير خطة عمل تتدارك سلبيات سابقة وتركز علي إيجابيات لاحقة خاصة أن التقرير حدد كل النقاط التي توظف سياسة الانفتاح لصالح التنمية الاقتصادية كمؤشر إيجابي وتتلافي "العشوائية" كما وصفها التقرير.. ولعل أبرز النقاط التي أشار إليها التقرير وحذر من "خطر نموها" تلك الشركات التي تقوم بأعمال البنوك وتطلب مدخرات المصريين بإغراءات فوائد عالية "غير ممكنة" وهي الشركات التي عرفت فيما بعد باسم "شركات توظيف الأموال" ولم تكن هناك في ذلك الوقت غير شركة واحدة رفضت في بداية الإعلان عنها قبول مدخرات "من غير المسلمين" لأنها تعطي فوائد 17% في حين كانت البنوك لا تعطي أكثر من 7%.. وإن كانت المنافسة بين الشركات فيما بعد قد فتحت الباب واسعا لغير المسلمين.. كما زادت في إغراء الفائدة إلي 26% مما ضاعف الإقبال عليها. لم يستمع أحد إلي هذا التقرير "الذي اختفي" وانتشرت هذه الشركات المريبة حتي هددت نمو المدخرات داخل البنوك، الأمر الذي يهدد عملية تمويل مشروعات التنمية القومية كما ينذر بسيطرة "جماعة" علي المقدرات المالية للبلاد وهو ما دعا محافظ البنك المركزي لاحقا الأستاذ علي نجم إلي التحذير ومخاطبة القيادات السياسية والتنفيذية للبلاد ولم تكن هناك سوي استجابة بطيئة وحدث تغيير وزاري إذ غادرت حكومة د. علي لطفي وجاءت حكومة د. عاطف صدقي التي اختارت خليفة لعلي نجم في منصب المحافظ وهو المرحوم د. صلاح حامد وكان وزيرا للمالية. كان د. فؤاد حسين يعمل مستشارا لوزير الاقتصاد ولم يكن مكتبه يختلف عن مكتب موظف متميز بغير سكرتير أو سكرتيرة حتي اختار له جمال الناظر بعد تعيينه وزيرا للاستثمار سكرتيرة نشيطة "لملمت" أوراق الرجل في عدة ملفات أهمها "ملف سوق المال" وملف "إعادة النشاط للبورصة".. ولم يكن هناك سوق مال ولا بورصة وكان عليه أن يعيد الحياة إلي هذه المرافق المالية الحيوية بالنسبة للتوجهات الجديدة نحو السوق الحرة.. وكان عليه أن يبحث عن الأفكار والخبرات التي يمكن أن تساعده في تقنين هذه الأنشطة حتي اهتدي إلي صاحب شركة سمسرة قديم مارس العمل في قلب البورصة قبيل التأميمات وهو المرحوم شهدي عازر الذي اختاره عضوا بلجنة سوق المال الذي عينه فيما بعد أول رئيس لبورصة الأوراق المالية في عهدها الجديد وكان يعتبره مستشاره الذي يملك من الخبرة العملية بأكثر مما تجمع لديه من تقارير من الداخل والخارج علي حد تعبيره. حدثت "هوجة" تغييرات وزارية في أعوام 78/1981 خرج ممدوح سالم وجاء مصطفي خليل ثم رأس أنور السادات الوزارة وتولي نائب رئيس الجمهورية مسئولية نائب رئيس الوزراء يساعده نائب اَخر هو المرحوم الدكتور فؤاد محيي الدين.. وفي وزارة أنور السادات عين الدكتور عبد الرازق عبد المجيد نائبا لرئيس الوزراء للقطاع الاقتصادي ورأي أن يتولي بنفسه مسئولية وزارات المالية والاقتصاد والتخطيط والاستثمار.. ولما ثقل عليه العمل اختار لمساعدته وزيرين هما الدكتور سليمان نور الدين مد الله في عمره وكان خبيرا اقتصاديا بإحدي منظمات الأممالمتحدة وتولي وزارة الاقتصاد واختار الدكتور فؤاد حسين لتولي وزارة المالية الذي اتجه بالنسبة لتبويب الميزانية العامة إلي الفصل الحاد بين الميزانية الجارية والميزانية الاستثمارية، وتظهر الأولي فائضا بلغ 89 مليون جنيه في حين تظهر الثانية عجزا ليس بالقليل.. وعندما قدم عبد الرازق عبد المجيد الموازنة العامة لمجلس الشعب، وأشار إلي تحقيق "فائض لأول مرة" ثار عليه النواب.. وغاب عن النواب قراءة "فصل الميزانية الاستثمارية عن الميزانية الجارية" ولو تم دمج الميزانيتين في موازنة واحدة لبرز العجز لأن العجز كله يجيء علي جانب الميزانية الاستثمارية التي غالبا ما تمول عن طريق البنوك وفائض التأمينات والقروض الخارجية التي لا تغطي ما تطرحه الخطة من مشروعات جديدة أو إحلال وتجديد. دخلت مكتبه عقب "هوجة" النواب فقابلني ضاحكا: النواب واخدين علي وجود عجز.. والغالبية لم تقرأ الموازنة.. كان يتحدث في هدوء شديد ولكنه كان مدركا للمجموعة الحزبية التي تتحرك ضد المجموعة الاقتصادية طمعا في مقاعدها وكان أكثرهم هجوما من وراء ستار المرحوم