شركات توظيف الأموال مخطط الإسلام السياسي للسيطرة علي مقدرات الدولة الشيخ الشعراوي يتحدي قرار البنك المركزي برفض الموافقة علي إنشاء بنك فيصل الإسلامي ويعطي الموافقة من وزارة الأوقاف أحمد الريان عودة أحمد الريان بعد 23 سنة سجناً أعادت إلي الذاكرة الوطنية حكاية شركات «توظيف الأموال» بكل ما أحاط بها واختبأ بداخلها من «مظهر ديني» يخفي «مخطط سياسي» يهدف إلي «السيطرة علي مقدرات البلاد المالية تمكنه من السيطرة علي الحكم» بعد تداخل شديد بين هذه الشركات وبين رموز فاعلة داخل أجهزة الدولة الحساسة تطوعت للدفاع عن هذه الشركات بعضها له مدخرات وبعضها مستفيد بغير مدخرات.. ناهيك عن «تعبئة» أجهزة الإعلام الرسمية وغير الرسمية لصالح الدفاع عن هذه الشركات ثمنها عشرات الملايين من الجنيهات قيمة صفحات إعلانية كاملة ومساحات تحريرية.. منها ما هو لحساب الجريدة وما هو لحساب من كتب ويكتب.. أنا هنا لا أكتب تاريخاً مسلسلاً، ولكي أركز علي بعض الأمور التي شكلت أبعاد «الحكاية» منها ما هو متسربل بالدين ومنها ما هو يخفي أبعاد مخطط سياسي لحساب التنظيمات الدينية التي كانت متعددة وسائدة في هذه الفترة وإن كانت اليوم «مجمعة» داخل «التنظيم الأم». لفت نظري أمران: الأول أن وزير الأوقاف الشيخ محمد متولي الشعراوي تحدي قرار البنك المركزي الرافض لإنشاء «بنك ديني» وأصدر هو قراراً من الوزارة بإنشاء هذا البنك.. ولم تعترض الحكومة ولا النظام السياسي.. وهو البنك القائم إلي اليوم بمسمي «بنك فيصل الإسلامي» ولا يخضع للبنك المركزي المصري. الأمر الثاني: ظهور شركة «توظيف أموال» تدفع «فوائد» أضعاف الفائدة التي تدفعها البنوك العامة والخاصة وهو الأمر الذي دفع ثلاثة وزراء محايدين يحذرون من هذه الظاهرة وخطورتها. ولتقرير الوزراء الثلاثة قصة بدايتها أن وزير الاقتصاد وقتئذ د. حامد عبداللطيف السايح قد طلب إعداد تقرير عن «تقييم سياسة الانفتاح الاقتصادي» ولكنه اعترض قيام الموظفين بذلك طالباً أن يجيء التقرير موضوعياً ومن ثم كلف به ثلاثة من الوزراء السابقين ذوي السمعة الطيبة بإعداد مثل هذا التقرير.. الوزراء الثلاثة هم: الدكتور عبدالجليل العمري أول وزير مالية لثورة يوليو. الدكتور علي الجريتلي الذي خلف الدكتور العمري في وزارة المالية وهو الذي تولي عملية إدماج فروع البنوك الأجنبية بعد التمصير عقب العدوان الثلاثي عام 1956. الدكتور فؤاد كمال حسين أول ر ئيس لهيئة سوق المال ووزير المالية فيما بعد. صدر هذا التقرير وقد حوي ملاحظتين مهمتين.. الأولي عن إنشاء بنك بغير قرار من البنك المركزي وعلي غير موافقة البنك المركزي.. والثانية تحذير من «الشركات التي تقوم بعمل من أعمال البنوك كمثل قبول ودائع وتوزيع فوائد بغير ترخيص لا من الأجهزة الرسمية ولا من البنوك». المثير في الأمر أن هذا التقرير طبعت منه ثلاثة آلاف نسخة ولكنه اختفي عقب صدوره بعدة أسابيع قليلة وإن كنت أمتلك نسخة منه في مكتبتي حتي الآن.. المثير في الأمر أيضاً أن هذه الممارسات غير القانونية لم تجد من «يردعها» من الأجهزة الحارسة علي الدولة. تابعت إعلانات في الصحف عن قبول ودائع بفائدة مدفوعة شهرياً بواقع 2% في حين معدل الودائع في البنوك العامة والخاصة لا يتعدي 8%.. وفي لقاء مع نائب محافظ البنك المركزي وقتئذ الأستاذ علي نجم «قبل أن يصبح محافظاً للبنك» سألته لماذا لا تنافس البنوك هذه الشركات في سعر الفائدة. أصابني علي نجم بسؤال آخر: «أين هو النشاط الاقتصادي في العالم الذي يمكن من دفع 24% سنوياً كفائدة مدخرات.. يعني أن تربح الشركة 40% علي الأقل لتدفع 24% وتحتفظ ب16% مقابل مصاريف وعمالة وخلافه..؟.. ونقلت هذا التساؤل علي صفحات المصور عام 1984.. وعدت أكرر النشر عام 1985 مع الإشارة الجيدة لتقرير الوزراء الثلاثة السابق ذكره.. تولي المرحوم علي نجم منصب محافظ البنك المركزي وكتب عدة تقارير أرسلها لرئيس الوزراء وبعض الوزراء كما خاطب من خلالها أجهزة رسمية وأجهزة سياسية علي مستوي رفيع.. كانت الأرقام أمامه تقول إن معدل نمو الادخار في البنوك هبط إلي 6% فقط بعد أن كان المعدل يتعدي 16% وأحياناً يصل إلي 18%.. وهذا معناه أن المدخرات اتجهت إلي شركات التوظيف مما يهدد بعجز البنوك عن تمويل الأنشطة الاقتصادية وخطط التنمية القومية. لم تكن الأجهزة راغبة في إحداث «إزعاج» علي النحو الذي يريده علي نجم وكان عليه أن يدفع الثمن ليترك منصبه مع التشكيل الوزاري الأول لحكومة الدكتور عاطف صدقي 1986. وقبل هذا.. وفي ظل وزارة د. علي لطفي طلبني المرحوم علي نجم وأطلعني علي تقرير قادم من لندن يقول بخسارة وقعت لشركة الريان في مضاربات بالبورصة بلغت 225 مليون أسترليني. ونظراً لحساسية الأمر طلبت إليه أن يتصل برئيس التحرير الأستاذ مكرم محمد أحمد ليخبره بذلك.. وبالفعل صدرت المصور وبها هذا الخبر وحدث قلق شديد عند المدخرين وهو الأمر الذي شجعني لبدء الحملة في العدد التالي نوفمبر 1986 وشهادات الخبراء ومنهم السيد كمال حسن علي رئيس الوزراء السابق الذي حرص علي ألا يؤيد المواجهة ولا يعارضها في الوقت نفسه. صدرت المصور وغلافها «كاريكاتير» لأول مرة في تاريخ المجلة رسمه الفنان حلمي التوني يصور «سني يرتدي زنوبة يخطف أموال سيدة ومن خلفه خواجة يخطف منه هذه الأموال». لم أكن أتصور رد الفعل بالشكل الذي حدث والتهم التي صبت علي رأسي ومنها الطائفية التي برزت في مقال رئيس تحرير جريدة قومية كبري.. وكان أبشع هجوم علي شخصيات «رفيق الزنزانة» المرحوم عادل حسين رئيس تحرير الشعب «جريدة التحالف بين حزب العمل والإخوان». ترددت في الرد علي هؤلاء، خاصة المجلة الإسلامية التي كتبت تهاجم «القبطي الذي يدعي اليسارية في شارع المبتديان.. وظيفته الآن الهجوم علي الإسلام» كما لو كانت شركات توظيف الأموال هي الإسلام.. لكن مكرم محمد أحمد أعطي وجهة نظر أخري.. قائلاً: لا ترد ولا تدخل في سجال يستدرجونك إليه.. كن قوياً وأقوي منهم حين تستمر في الحملة وتتجاهل تطاولهم عليك. في فهم خاطئ للظاهرة وما يحوم حولها من شبهات انزلقت الدولة إلي «المنافسة» بإنشاء «بنك إسلامي» وأوعزت إلي إنشاء فروع بنوك تتعامل بالنهج الإسلامي.. وكان ذلك وفق تقارير صدرت عن رئيس بنك مصر وقتئذ وكان من المتعاطفين مع الإسلام السياسي بحذر شديد وإن كان يبرز منه في غيبة هذا الحذر أحياناً. كان من المساهمين في البنك الإسلامي الجديد الشيخ محمد متولي الشعراوي وعبداللطيف الشريف صاحب شركة الشريف لتوظيف الأموال وهي الشركة الأولي التي حذر من معاملاتها تقرير الوزراء الثلاثة.. وكان موعد انعقاد الجمعية العمومية لهذا البنك الذي يرأسه رئيس بنك مصر ويحصل منه علي أضعاف ما يتقاضاه في البنك العام.. وحدث في الجمعية العمومية حادث من «العيار الثقيل» وغير متوقع. قلت من قبل أن الشيخ الشعراوي وزير الأوقاف تحدي البنك المركزي في عدم الموافقة علي إنشاء بنك فيصل وأعطي هو الموافقة علي إنشاء البنك بقرار وزير الأوقاف.. وها هو الشيخ الشعراوي نفسه يتقدم خطوة أخري لحساب الإسلام السياسي في السيطرة علي الجهاز المصرفي حين اعترض علي انتخابات الجمعية العمومية لمجلس الإدارة الجديد.. وقال: إن مبدأ الانتخاب غريب علي الإسلام وأنه يفضل مبدأ «البيعة» وأنه يبايع عبداللطيف الشريف رئيساً للبنك.. وصمت كل من بالجمعية العمومية «ما اعترض أحد سوي» المتعاطف الذي وجد نفسه يفقد وظيفة ودخلاً كبيراً.. ولكن الجمعية العمومية أصدرت قراراً وفق ما اقترح فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي. هنا كانت وقفة شجاعة لمحافظ البنك المركزي علي نجم الذي سارع بإلغاء قرار الجمعية العمومية وإعادة انتخاب رئيس بنك مصر رئيساً لبنك الاستثمار والتنمية الإسلامي المملوكة غالبية أسهمه لبنوك القطاع العام.. وفشلت «بيعة» الشيخ لحساب شركات توظيف الأموال مع معرفتي الشخصية بمدي حب علي نجم للشيخ الشعراوي نفسه.. ولكن الأمر يتعلق بكيانه الدولي المالي. بعد استعراض قليل القليل من حكاية شركات توظيف الأموال وتشابكها مع أجهزة الدولة وقيادات ذات مسئوليات حساسة في هذه الأجهزة.. بعد كل هذا هل أكون مغالياً إذا أعدت نشر جملة اعتراضية نشرتها في موضوعات أخري بالزميلة «الأهالي» حين كان يتولي رئاستها الزميل حسين عبدالرازق ومدير تحريرها الزميل صلاح عيسي. موقفي من هذه الشركات علي النحو الذي كتبته جعل الأستاذ أحمد بهاء الدين يكتب تحية لي ولمنهجي في معالجة الأمر في عموده اليومي في الزميلة «الأهرام». أكتفي اليوم بهذا القدر دون المرور علي ما عرف باسم «كشوف البركة» وترددت أسماء كبيرة المناصب.. وإن كنت أطلب شهادات من الذين شغلتهم هذه القضية وهم في مناصبهم. أطلب شهادة الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء وقتئذ والأوراق المتبادلة بينه وبين علي نجم محافظ البنك المركزي. أطلب شهادة الدكتور عاطف عبيد وكان وقتئذ وزير شئون مجلس الوزراء وله رؤيتها «عدم تفجير أوضاع مستقرة». أطلب شهادة المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية الآن الذي ساند حملة المصور في مقالاته ب«الأهرام الاقتصادي» عن الأوضاع القانونية لهذه الشركات وله أول كتاب عن هذه الشركات من خلال مجموعة مقالاته. أطلب شهادة د. فؤاد سلطان عن أخطار المضاربات علي الذهب والعملات التي وقف ضدها عندما كان رئيساً لبنك مصر إيران. أطلب شهادة د. يوسف بطرس غالي حين كان مستشار رئيس الوزراء عاطف صدقي وحضر اجتماعاته مع أصحاب شركات توظيف الأموال في مجلس الوزراء يحضرون لمجلس الوزراء بالليل في سيارات مرسيدس سوداء ويحضرون بالنهارفي سيارات مرسيدس بيضاء!! أطلب شهادة الدكتور علي السلمي مدير مركز دراسات «القطاع العام» وتقاريره الشهيرة التي بالقطع كانت الأوضاع المصرفية أمام عينيه. وفي الملف أوراق كثيرة أحتفظ بها حتي أستمر في السير «جنب الحيط»