النظام القوي والدولة الضعيفة.. كتاب جديد اجتهد كاتبه د.سامر سليمان" كي يصف "الحالة الاقتصادية" الراهنة ويفتح المجال واسعا للجدل حول الضرائب والنظام السياسي في مصر وكيف تكون العلاقة بين الدولة عندما "تعيش" أزمة مالية وبين طبقات المجتمع المختلفة. الكتاب يحاول الإجابة عن سؤال مهم هو هل هناك عدالة في علاقة رجال الأعمال بالطبقة المتوسطة والعاملة؟ أو هل هم رجال الأعمال بالفعل ديمقراطيون؟ الكتاب لا يعطي إجابات قاطعة علي أية أسئلة ولكن يجعلك طول الوقت تحاول أن تصارع الكاتب فكرة بفكرة، وتحاول أن تهزم اجتهاداته واحدا تلو الاَخر ولكن لن تكون سعيدا فأن فعلت فالكتاب به كثير من الأفكار ولكن فكرتنا هنا هي الحديث حول الأزمة المالية للدولة وصعود الرأسمالية المصرية ولأن الكتاب صدر قبل انتخابات 2005 واختيار عدد أكبر من رجال الأعمال في الحكومة الجديدة فإنه بدا وكأنه يقرأ الطالع. الأزمة المالية للدولة تزيد من فرص التعبير السياسي حقيقة يؤكد عليها د.سامر سليمان وشارحا لها يقول: إن الأزمة المالية تؤدي إلي تراخي آليات السيطرة المبنية علي المال من ناحية، ومن ناحية أخري تؤدي إلي زيادة القوة النسبية للرأسمالية ولبعض قطاعات الطبقة المتوسطة علي حساب الدولة. ويطرح الكاتب فكرة الدول الريعية الغنية بموارد مثل البترول في غالب الأحوال هي دولة استبدادية لأنها لا تحتاج إلي مجتمعها لتستقطع منه ضرائب بل مجتمعها هو الذي يحتاجها لكي تحقق له الدخول والوظائف والرعاية الصحية وهو ما يجعلها في موقف القوة أمام مجتمعها ولذلك فهي تتسلط عليه هذا بخلاف المجتمعات التي تنفق علي دولها فتصبح الدولة محتاجة للمجتمع من أجل تمويل نفقاتها لذلك فالمجتمع يقف مع الدول موقف الندية ويكون مهموما بالرقابة والاشراف عليها أي باختصار من يعطي له سلطان علي من يأخذ. المقاومة والرفض ماذا يحدث عندما تفتقر الدولة الريعية؟ السؤال من عند د.سامر ورده عليه أن الدولة سيكون عليها أن تلجأ للمجتمع لطلب ضرائب وحينها ستأتي فرصة هذا المجتمع لكي يفرض عليها أن تستمع له وأن تقدم له كشف حساب بالأموال التي تستقطعها منه أي أنها ستفرض الديمقراطية. ويوضح الكاتب أن أطروحة الدولة الريعية وجهت لها انتقادات عديدة باعتبارها تميل إلي التبسيط وأن الحالة المصرية تقدم بعض التحفظات علي هذه الاطروحة بمعني أن النظام في مصر لا يضطر إلي فرض ضرائب علي الدخل (أكثر الضرائب اثارة للمقاومة والرفض واقواها أثرا في إنتاج المطالب الديمقراطية) لأن هذا النوع من الضرائب يحتاج إلي إلي حد أدني من القبول والتوافق بين المجتمع والدولة ولكن في مصر الدولة لجأت إلي فرض ضرائب مبيعات ورسوم ولم يلتفت إلي ضرائب الدخل إلا منذ عام 2001 أما التحفظ الآخر الذي تطرحه الحالة المصرية علي الدولة الريعية التي تفترض أن زيادة الصراع بين المجتمع والدولة حول الضرائب ستؤدي إلي نمو المطالب الديمقراطية داخل المجتمع ولكن هذه النظرة تتغافل عن قدرة النظم الاستبدادية علي احتواء المعارضة لها وعن صرفها في قنوات غير سياسية ومثال الكاتب علي ذلك هو ميل النظام في مصر إلي دفع القوي المناهضة للجباية في ساحة القضاء واللجوء إلي النضال القانوني عوضا عن النضال السياسي. الريع والديمقراطية ويحاول الكاتب الاجتهاد عند الحديث عن نموذج بديل لدراسة العلاقة بين الريع والديمقراطية فيقول إن تدهور الايرادات الريعية للدولة المصرية يؤدي إلي تعديل في توازن القوي بين النظام والرأسمالية في مصر لصالح الأخيرة. وفي حين يميل وزن الدولة في الاقتصاد إلي الانخفاض من منتصف الثمانينات والقطاع الخاص يسيطر علي موارد مالية وبشرية أكثر فأكثر لذلك بينما تدهورت القوة الشرائية السياسية للدولة زادت قوة الأعمال وهي قوة فاعلة ايجابية. ويقدم دليلا بانتخابات عام 2000 التي ثبت فيها الضعف الشديد للأحزاب المصرية بما فيها الحزب الوطني ولم تحقق الأغلبية إلا بعد انضمام المستقلين إليه بينما انتزع رجال الأعمال 77 مقعدا مقابل 37 في عام 1995 وظهر جليا أن المال كمصدر للقوة السياسية حقق التقدم علي حساب العلاقات بجهاز الدولة (رامي لكح في مواجهة خصمه عبدالأحد جمال الدين).