أعلنت أجهزة الأمن المصرية القبض علي متهم بارتكاب مذبحة بني مزار في صعيد مصر. وحسبما فهمت ان المتهم عندما سئل عن الدافع وراء ارتكاب مثل هذه المذبحة أجاب بأنه "جاءه هاتف" أو كلمه صوت طلب منه ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة. ورغم اعتراف المتهم وارشاده عن أماكن الأعضاء التناسلية التي قطعها من جثث ضحاياه وتمثيله الجريمة إلا أن الرأي العام مازال لديه العديد من التساؤلات التي اتمني أن يكشف عنها في أقرب وقت. إن غرابة وبشاعة الحادث والغموض وعدم الوضوح الذي احاط بهه جعل الناس تتداول العديد من القصص، قد يكون أغلبها محض خيال، ولكنها تتناسب في خيالها مع جسامة المذبحة وبشاعتها. أول تفسير تبادر إلي الأذهان هو وجود علاقة ما بين هذا الحادث وبين طقوس خرافية غامضة قيل مرة ان لها علاقة بالسحر الأسود، ومرة أخري بتسخير الجان، ومرة ثالثة بطقوس سحرية غامضة للكشف عن كنوز فرعونية، أو لفك الكنز المرصود الذي تحميه قوي خارقة، ويحتاج في التعامل معها إلي حادث غير طبيعي. والسؤال الذي يدور في ذهني الآن لماذا لدي الناس استعداد لتصديق الخرافة، والسير وراءها بالمشوار حتي آخر الطريق، وعدم الاقتناع بالأشياء المنطقية والتي تعتمد علي العقل لا المشاعر والأحاسيس الأسطورية. وأحاول الإجابة، هل لأن الحادث به قدر عال من اللا معقولية، والألغاز غير المفسرة -بشكل نهائي حتي الآن- مما استدعي تفسيرات علي نفس المستوي اللامعقول، وبهذا يكون الأمر ولو من باب المنطق الصوري مقبولا أم أن لدينا ميلا طبيعيا -وهذا هو الأمر الخطير- لمخاصمة العقل، والاقتراب من الخرافة، واعتماد حلول خرافية لمشكلات عجزنا عن مواجهتها تقليديا. كشفت دراسة أعدها المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية منذ حوالي ثلاث سنوات ان 70% -لاحظ ضخامة الرقم- من المصريين يؤمنون بالخرافات والشعوذة والدجل، وحتي بعض المثقفين والمتعلمين يدخلون في هذا الاطار. بل إن الأغرب أن ما تم انفاقه في عام 2003 من قبل الذين يؤمنون بالخرافات والدجل وأساليب مكافحة الحسد الشعبية وغيرها انفقوا 10 مليارات جنيه في عام واحد علي الدجالين والمشعوذين الذين يلجأون إليهم بهدف اخراج جن، فك عمل أو عمل حجاب. كما أشارت الدراسة إلي أن هناك حوالي 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة نتيجة الاعتقاد في قدرة هؤلاء علي حل كثير من المشكلات المستعصية مثل تأخر سن الزواج -أو عدم الانجاب- أو العقم، وفك السحر. وان كم الخرافات والخزعبلات التي تتحكم في سلوك المصريين يصل إلي 274 خرافة. تخيلوا بلدا ناميا، أقرب إلي الفقر، يبحث عن كل وسيلة للتنمية والتقدم، وينفق أهله 10 مليارات جنيه في عام واحد علي الدجل والشعوذة، تخيلوا أن هناك دجالا لكل 240 مواطنا لعلاجه من الجن أو كشف المستور وغير ذلك من لغات السحرة والمشعوذين. لقد سمعت روايات أغرب من الخيال عن رجال أعمال يدفعون الملايين في سبيل الحصول علي الزئبق الأحمر، الذي يوجد في مومياوات الفراعنة، والذي يحول التراب إلي ذهب أو يسخر الجن للحصول علي المال. لذلك كان الناس أكثر ميلا للاعتقاد في أن حادث بني مزار تلفه غوامض كثيرة، بل اعتقد ان كثيرين سيكونون شديدي الاقتناع فيما لو قال المتهم -رغم كثير من الغوامض في الجريمة- انه قام بها للحصول علي كنز، أو تسخير جن أما مسألة مختل عقليا أو مصاب بمرض نفسي فهذه قصة أخري لها تاريخ سلبي في اذهان الناس حتي لو صحت.