نشرت جميع الصحف الصادرة بالأمس تفاصيل اللقاء بين رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أحمد نظيف وقيادات المؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة. وهذه التفاصيل تحتاج إلي تحليل عميق علي عدة مستويات. بيد أن هناك ملاحظات وانطباعات أولية يجدر تسجيلها أولاً علي هامش هذا اللقاء المهم. أولي هذه الملحوظات ان اللقاء تم في أول يوم من أيام العام الجديد الذي صادف أول يوم من عمر الحكومة الثانية للدكتور نظيف. أي أن رئيس مجلس الوزراء استهل عمل حكومته الجديدة بلقاء القيادات الصحفية وهذه لفتة ايجابية وتحمل أكثر من مغزي. من بينها تقدير الدكتور أحمد نظيف للصحافة ودورها الأساسي علي مختلف الأصعدة، بما في ذلك صدورها الانتقادي وكشفها للسلبيات والاخطاء والتجاوزات والفساد. يؤكد ذلك أن رئيس مجلس الوزراء حرص علي دعوة قيادات "جميع" المؤسسات الصحفية بدون تمييز، فلم يقصر الدعوة علي رؤساء تحرير الصحف "القومية" بل وجهها أيضاً إلي قيادات الصحف الحزبية والخاصة. حتي عندما لاحظنا غياب رؤساء تحرير "الفجر" و"الدستور" و"الكرامة" سألنا عن سبب استبعادهم، فأجاب رئيس مجلس الوزراء بأنهم اعتذروا ولم يتم استبعادهم. الأمر الثاني - بهذا الصدد - ان الدكتور أحمد نظيف خلال حكومته الأولي التي استمرت عاما ونصف العام تقريبا لم يقابل القيادات الصحفية سوي مرة واحدة لا ثانية لها، كما أن أهم مقابلاته الصحفية - علي قلتها - كانت مع صحف أجنبية وليست مصرية. ولذلك فإن مبادراته بأن يكون لقاؤه مع القيادات الصحفية في أول يوم من عمر حكومته الثانية يكتسب مغزي إيجابيا. الأمر الثالث.. أن اللقاء لم يكن "لقاء مجاملة"، بل كان لقاء عمل استمر زهاء أربع ساعات متصلة، اتسم الحوار فيها بين الصحفيين ورئيس مجلس الوزراء بالصراحة الشديدة التي وصلت إلي حد الانتقادات العنيفة في بعض الاحيان لطريقة تشكيل الحكومة الجديدة، وما شابها من ارتباك، والافتقار إلي الشفافية في معايير اختيار الوزراء الجدد أو الاستغناء عن خدمات بعض الوزراء القدامي. وتم توجيه أسئلة بالغة الحدة والصراحة للدكتور نظيف من قبيل: هل تم فرض أحد من الوزراء الجدد علي رئيس مجلس الوزراء؟ وما حقيقة علاقات القرابة بين عدد من الوزراء؟ وما حقيقة علاقات "شراكة البيزنس" بين وزراء آخرين؟ وهل توجد خلفيات سياسية لخروج بعض الوزراء؟ وهل كان التورط في قضايا فساد أحد أسباب الاستغناء عن خدمات بعض الوزراء الذين خرجوا من التشكيل الحكومي الجديد؟ وهل دخل الوزارة الجديدة للحزب الوطني وزراء ليسوا أعضاء في الحزب الحاكم؟ وما هي حكمة التوسع في توزيع رجال الأعمال و"خصخصة الحكومة"؟. وما هي ضمانات عدم تضارب المصالح بالنسبة للوزراء رجال الأعمال؟ وما هي ثمرة زواج المال بالسياسة؟ وما هو موقع أجندة الاصلاح السياسي والدستوري علي جدول أعمال حكومة نظيف الثانية؟ وهل يكون الاهتمام الكبير لرئيس الوزراء بملف الاصلاح الاقتصادي علي حساب أجندة الاصلاح السياسي والدستوري؟ وما هو الجدول الزمني لكل هذه الأجندات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ ومن يدفع تكلفتها جميعاً.. هل هم القادرون أم الفقراء؟ وهل هناك موعد محدد لالغاء حالة الطوارئ. ولماذا لم يتم تخصيص حقيبة وزارية لحقوق الانسان؟ وما هي مسئولية الحكومة عن المعالجة الدموية لازمة اللاجئين السودانيين في ميدان مصطفي محمود بحي المهندسين، التي راح ضحيتها 27 قتيلا من هؤلاء اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة؟ وما هي آثار هذه المأساة علي العلاقات المصرية السودانية، والأمن الوطني والقومي عموما؟ وألا يتوجب علي رئيس وزراء مصر - شخصياً - أن يتقدم باعتذار علني بهذا الصدد؟ هذه الأسئلة الصريحة، والانتقادية، والساخنة، تم توجيهها إلي الدكتور أحمد نظيف. وأشهد بأن الرجل استمع إليها باهتمام شديد، وأفسح صدره لها دون أن يتبرم أو يغضب، ودون أن يرغي ويزبد بل حافظ علي هدوئه ورباطة جأشه، وأبدي قدراً كبيراً من التفهم حتي للآراء التي لا يوافق عليها، ورغم التزاماته الكثيرة فإنه خصص وقتا طويلا للاجابة علي اسئلتنا والرد علي انتقاداتنا. وهذا موقف بالغ الاحترام والتحضر.. أسجله للدكتور أحمد نظيف رغم اختلافي مع بعض الاجابات التي قدمها، ورغم تجنبه الاجابة عن بعض تساؤلاتنا. وهذا الموقف المحترم والمتحضر.. مدخل مهم لعلاقة موضوعية بين الحكومة والصحافة.. قانونها الأساسي هو "أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، وهدفها الأساسي مصلحة الوطن والشعب.