مع انعقاد المؤتمر الوزاري السادس لمنظمة التجارة العالمية في هونج كونج هذه الايام تثور في ذهن المرء تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين اطراف هذا العالم.. والي أين تتجه اطماع الكبار للسيطرة علي مقدرات الصغار؟ وهل يستمر الجنوب في القيام بدور الضحية والشهيد دون ابداء اية محاولة للامساك بزمام المبادرة؟ وهل تستطيع دوله -فرادي- اصلا الاجتراء علي محاولة كهذه؟ ألم يحن الأوان لتفعيل المنظمات الاقليمية في الجنوب والبحث عن اقامة تكتلات اقتصادية حقيقية يكون لها دورها الفاعل في تحسين شروط حياة شعوب الدول النامية وسط طوفان العولمة المتوحشة؟ أي حق؟ لقد سادت في الآونة الاخيرة علي لسان اصدقائنا ممن يسمون انفسهم بالليبرالية الجديدة جملة غريبة يرددونها جميعا باعتبارها من البديهات "امريكا تسعي لتحقيق مصالحها وهذا حقها" كما لو انني مثلا لو اعتبرت ان من مصلحتي ان اوسع مساحة شقتي فمن حقي ان انتظر غياب جاري (سواء غيابا ماديا او غيابا عن الوعي) او انشغاله واقوم بهدم الجدار الفاصل بين الشقتين طالما معي القوة التي يفتقدها.. ورغم ما يذكرنا به هذا المنطق بقواعد شريعة الغاب.. الا ان القوم حريصون علي ترديد هذه العبارة كما يلوكون "العلكة" ليل نهار وقياسا علي ذلك فدول الشمال الغنية من حقها ان تسعي لتحقيق مصالحها "او بالاحري مصالح الشركات الاحتكارية ومتعدية الجنسيات فيما بينها" علي حساب مصالح الشعوب حتي لو لجأت لنهب ثروات هذه الشعوب وافقارها. وانطلاقا من هذا المبدأ دأبت بلدان الشمال الغنية علي استحداث سبل نهب بقية بلدان العالم للحصول علي مصالحها في تعظيم ثرواتها "او بالاحري ثروات الطبقات الحاكمة فيها" فمن الاستعمار العسكري والاستيطاني القديم الذي زال بعد حقبة الحرب العالمية الثانية الي تقييد هذه البلدان باتفاقيات ومنح وقروض باسعار فائدة مجحفة وصولا الي استخدام شعار "التجارة الحرة" لاستنزاف دول الجنوب عبر اغراقها بالسلع الاستهلاكية في معظمها التي تنتجها الشركات الصناعية العملاقة والتي تنتفي معها قدرة الشركات المحلية علي المنافسة بسبب ما تتمتع به الاولي من "وفورات" الحجم وفي المقابل يحصل الشمال علي ثروات الجنوب الطبيعية في شكلها الخام بأبخس الاثمان نتيجة وضع جميع العراقيل في وجه إمكانية تصنيعها وكان آخر ما تفتقت عنه اذهان الغربيين منظمة التجارة العالمية التي يري بعض الخبراء ان نشأتها عام 1995 كتطوير لاتفاقية الجات مثلت نشأة الاطار القانوني والتنظيمي للعولمة الاقتصادية التي تهدف في النهاية الي تحرير التجارة الدولية والاستثمارات الاجنبية والتخلص من القطاع العام وافول الدور الاقتصادي للدولة. ضعفاء لأنهم متفرجون ورغم ان معظم الدول النامية ابدت تخوفاتها من أن يسفر تنفيذ شروط الانضمام الي المنظمة وتحرير التعرفة الجمركية عن تفاقم الكساد والانكماش ونقص ايرادات الدول التي كانت تحصل عليها من الجمارك ومن ثم تراجع قدرة الدول علي الانفاق علي مصالح الجماهير من رعاية صحية وتعليم وتوفير فرص عمل لغير القادرين وما الي ذلك من الخدمات الاجتماعية التي كان من المفترض انها ضمن مسئوليات الدولة القومية ورغم ان كثيرا من المحللين نبهوا الي ان المتطلبات التي تفرضها المنظمة سوف تؤدي في نهاية المطاف الي سيطرة هذه المنظمة علي ادارة اقتصادات الدول النامية التدخل في شئونها الداخلية علي نحو يوجه هيكل الاقتصادات المحلية لخدمة التجارة علي حساب التصنيع وتحسين معيشة الشعوب الا ان دول العالم النامي لم تجد امامها مفرا من التسابق علي الانضمام الي المنظمة بعدما احكمت دول العالم الرأسمالي قبضتها علي مجريات الامور في العالم بعد انتهاء عصر القطبية الثنائية ولم تجد دول العالم النامي مفرا لسبب بسيط انها سمحت للكبار ان يلتهموها فرادي (تصديقا للحديث الشريف "انما يأكل الذئب من الغنم القاصية") بعد تراجع دور المنظمات الاقليمية والتكتلات الاقتصادية لدول الجنوب التي كان من المفترض ان تسعي للدفاع عن مصالح شعوبها وتحسين شروط الانضمام الي هذه المنظمة بما يضمن الحد الادني من الحماية في وجه غول العولمة المتوحشة.