منذ النصف الأول من هذا العام أصبح القطاع غير الرسمي محور اهتمام راسمي السياسات في مصر وتمت مناقشة دمج هذا القطاع في الاقتصاد الرسمي علي جميع المستويات كما تم ادراجه ضمن أولويات جدول أعمال مجلس الوزراء المصري في مارس الماضي وبدأت وزارة المالية في تشكيل اللجان تمهيدا لتحقيق عملية الدمج والتي تبدو لمتخذي القرار سهلة والحقيقة أنها من أكثر القضايا الاقتصادية تعقيدا. فهل يمكن للياقات البيضاء وهي تجلس في الأبراج العاجية أن تتبني مثل هذه القضية. هذه القضية وإن كانت تمس المجتمع الاقتصادي في مصر كلها، إلا أن احداث تقدم ملموس فيها، لن يتحقق إلا من خلال القاعدة الشعبية العريضة التي تمثل الغالبية العظمي لهذا القطاع. ومن هنا فإن المشاركة الديمقراطية لنماذج واعية من القطاع غير الرسمي في منقاشة الأفكار والحوارات والاطروحات يمكن أن تحقق إلي حد ما تقدما نحو عملية الدمج فاتاحة الفرصة للأفراد للمشاركة والتعبير بحرية عن أفكارهم ومخاوفهم وعرض مطالبهم التي تحقق الأمان والاستقرار لهم، ثم قبول ومناقشة هذه الأفكار من جانب الحكومة يوجد علاقة رشيدة بين ممثلي القطاع غير الرسمي والحكومة ومن ثم فإن ذلك يساعد علي تطبيق آليات السلوك الرشيد الذي يحقق احترام أصحاب المشروعات في القطاع غير الرسمي لما تصدره الحكومة من قرارات فإذا ما تحققت الديمقراطية.. أمكن الوصول إلي دمج صحي يساعد علي النمو الاقتصادي الفعال. ومن ناحية أخري ربما يساعد صدور قانون الضرائب علي الدخل الضرائبي علي احراز تقدم ما خاصة وأنه يرفع حد الاعفاء علي الأنشطة التجارية والصناعية مما يساعد علي دخول أكثر من 80% من أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في القطاع غير الرسمي ضمن حيز الاعفاء الضريبي وهو العبء الذي طالما سبب لهم رهبة جباية الضرائب. ان توفير جو من العدالة الاجتماعية من خلال تشريعات تتفق مع واقع الأنشطة الاقتصادية في المجتمع يساعد علي توفير عنصر الثقة بين المواطن والدولة ولذا فإن البداية تكون من خلال النوايا الحسنة والشفافية والرغبة الصادقة في تحقيق رغبة الحكومة في عملية الدمج، من خلال اطلاق حرية تكوين المنظمات والكيانات المؤسسية الديمقراطية التي يمكن أن تتبني قضايا هذا القطاع، وتعبر عنها بوضوح وهنا تظهر الحاجة لتيسير الاجراءات الخاصة بإنشاء الجمعيات والنقابات حتي تتواجد تنظيمات ديمقراطية مستقرة ومتعددة الأنشطة والمجالات تستطيع أن تحدث تغيرا في الاتجاهات والممارسات بل والسياسات نحو تحقيق استقرار الكيانات غير الرسمية عند تحولها إلي القطاع الرسمي ليكون هذا التغير نقلة حضارية وهذه التشكيلات الديمقراطية هي التي لها القدرة علي إجراء المشاورات مع الاطراف المعنية حكومية أو غير حكومية محلية أو دولية كما أنها تساعد علي تطبيق انجاح السياسات. وتجربة اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية في تبني المشكلات والمعوقات التي تواجه أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة العاملة في القطاع الرسمي تجربة جديرة بالدراسة حيث استطاع هذا النظام الديمقراطي (المصغر) أن يتبني ضرورة وجود تشريع خاص بالمشروعات الصغيرة وأن ينجح في اقناع مجلس الشعب باصدار قانون بهذا الشأن بعد جهود شاقة. ويضم القانون مجموعة من المواد والتيسيرات والحوافز التي تشجع أيضا المشروعات في القطاع غير الرسمي إلي التحول للقطاع الرسمي لكي تحصل علي رقم قومي وتتوافر لها الحماية وتحصل علي ترخيص تشغيلها في 48 ساعة. ولكن هل يمكن تأسيس اتحاد يضم ممثلي القطاعات غير الرسمية يدافع عن مصالحهم ويقترح التشريعات التي تنهض بهم من الممكن أن يحدث ذلك في شكل قطاعي كرابطة أطعمة الشوارع أو جمعية الباعة الجائلين فهي يمكن أن تكون نواة يتم من خلالها تكرار نموذج اقامة علاقات متشابكة بين المنظمات غير الحكومية لاحداث التغير المطلوب في الممارسات والسياسات. وأخيرا فإن السياسة التي تهدف إلي ادماج الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة بمجرد جرة قلم، في اقتصاد ينمو ببطء ومكبل بالبيروقراطية لن يكون لها سوي نتيجة واحدة هي مزيد من الاضعاف لهذه الأنشطة وخفض قدرتها علي ايجاد فرص العمل وتوليد الدخل، فاخضاع المشروعات متناهية الصغر لمختلف القواعد التنظيمية يمكن أن يؤدي إلي اختفاء عدد كبير منها أو علي الأقل خفض واضح في عدد المشتغلين بها نظرا لعدم قدرتها علي تحمل أعباء اضافية ولكي يتمكن أصحاب تلك المشروعات من الاحتفاظ بمستوي ثابت من الدخل فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين لرفع الاسعار تعويضا لتكلفة التحول إلي القطاع المنظم الأمر الذي يعرضهم إلي فقدان عملائهم وتخفض مستوي نشاطهم. وفي المقابل فإن الحكومات الديمقراطية التي تساند وتشجع عملية التنمية التي تتم بالمشاركة الكاملة للمنتمين إلي القطاع غير المنظم يمكنها أن تكتسب شكلا جديدا من المشروعية السياسية ومزيدا من التأثير لسياستها الاقتصادية باتباع الاساليب الديمقرا