الممارسات العنصرية لا تقتصر كما ذكرنا علي المجتمعات الفقيرة، والمتخلفة أو فلنسمها النامية تأدباً، فالمجتمعات المتقدمة تشهد يومياً أنواعاً من هذه الممارسات الموجهة ضد مختلفين في الجنس أو العرق أو الدين، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الممارسات في المجتمعات الغربية، هو أن هذه الممارسات توجه بالطبع إلي الفقراء من المهاجرين أو الملونين أو المهمشين طبقيًا بوجه عام. فإذا وجهنا النظر إلي الولاياتالمتحدة باعتبارها "راعية الحريات في العالم" مثلما يحلو لها ولدراويشها في العالم تسميتها، لوجدنا أنه يتعين النظر إلي الممارسات العنصرية في المجتمع الأمريكي من منظور العلاقة بين البيض والسود في المجتمع الأمريكي ومن حيث تداعيات امتيازات البيض والامتيازات الطبقية في الإطار الرأسمالي، كما يتعين النظر إليها من منظور ثقافة العنف التي استفحلت مع الممارسات العنصرية وغيرها من أساليب القهر داخل المجتمع الأمريكي ضد غير البيض من المواطنين الأصليين وذوي الأصول المكسيكية أو الإفريقية، ومؤخراً ضد ذوي الأصول العربية، ففي مقال بعنوان "الامتيازات العالمية لبياض البشرة" يؤكد كندال كلارك وهو من أبرز النشطاء الأمريكيين المناهضين للعنصرية أن العنصرية البيضاء لم تختف تماماً من أمريكا وإنما اتخذت أشكالاً مختلفة عنها في الماضي. ففي دراسة أصدرها مركز أبحاث التغير في النظام الصحي الأمريكي مؤخراً ونشرت علي الإنترنت تبين أن الأطباء الأمريكيين من السود أو ذوي الأصول اللاتينية يلاقون صعوبات شديدة في عملهم بعكس ما يلقاه الأطباء البيض من تيسيرات حيث يعاني واحد من كل ثلاثة من الأطبا الملونين من صعوبات في إدخال مرضاهم المستشفيات بينما تقل نسبة الصعوبات المماثلة التي يعانيها البيض إلي واحد من كل أربعة أطباء، كما ذكر 12% من الأطباء السود و15% من الأطباء ذوي الأصول اللاتينية أنهم يواجهون صعوبات عند إحالة مرضاهم إلي متخصصين، وتشير الدراسة إلي أن هذه الصعوبات التي يواجهها الأطباء من غير البيض دليل علي ضعف مستوي الرعاية الصحية التي تلقاها الأقلية الملونة في الولاياتالمتحدة، حيث من الأرجح أن تكون النسبة الغالبة من مرضي هؤلاء الأطباء من نفس أصولهم العرقية. وقبل سنوات قليلة، طيرت وكالات الأنباء خبراً عن قيام الحراس الشخصيين السود للرئيس الأمريكي برفع دعوي أمام القضاء الفيدرالي لوضع حد للممارسات العنصرية التي يتعرضون لها خلال عملهم، مثل عرقلة ترقياتهم، وعدم مساواتهم في الرواتب بزملائهم من البيض، ويشير الخبر إلي أن "الجهاز السري" المكلف بحماية الرئيس ونائبه هو ثالث قوة شرطة فيدرالية ترفع عليها دعاوي التمييز العنصري، بعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي اي) ومكتب المشروبات الروحية والتبغ والأسلحة النارية. ويشير تقرير عرضته هيلاري كلينتون قرينة الرئيس الأمريكي السابق في إطار الدعوة لوقف العنف ضد المرأة إلي عدة أرقام إحصائية ذات دلالة في المجتمع الأمريكي حيث أوضح التقرير أن مليون امرأة يتعرضن للملاحقة خلسة سنوياً، وتتعرض امرأة للضرب كل 15 ثانية في الولاياتالمتحدة بينما يقتل ثلث ضحايا عمليات القتل من النساء علي يد الشريك المنزلي. وما أوردناه بالطبع ليس إلا أمثلة مصغرة ومختصرة للتدليل علي ما يرتكب في المجتمع الأمريكي المتشدق بالحريات وحقوق الإنسان من سلوكيات عنصرية، ناهيك بالطبع عن عصابات تجارة البغاء والمخدرات وعمالة الأطفال بين مجتمعات السود والملونين الأكثر فقراً بين ظهراني مجتمع العم سام. كراهية العرب.. لا أموالهم.. وبالإضافة لما أصبح معلوماً من مضايقات تلاحق العرب في بلدان الغرب منذ أحداث 11 سبتمبر، فلا يمكن أن نغفل أيضاً مظاهر التمييز العنصري التي توجه في عدد من البلدان الأوروبية إلي الأجانب، وبوجه خاص المهاجرين من بلدان العالم الثالث، ولعل أبرز الأمثلة في هذا السياق ممارسات قوي اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية مثل جماعات النازيين الجدد في ألمانيا واضطهادها للأجانب والملونين بصفة خاصة، وفي فرنسا تعلو أصوات اليمنيين المنادين بطرد الأجانب وإغلاق الأبواب في وجه المهاجرين وأبرزهم جون ماري لوبان زعيم "الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية" وفبرينو ميجري الذي انفص عن لوبان ليؤسس حزب "الجبهة الوطنية الحركة الوطنية" وهما يتباريان في مساعيهما لتهييج الرأي العام الفرنسي ضد ما يسميانه ظاهرة الحضور الإسلامي العربي في فرنسا، ويحذر ميجري من ازدياد عدد المهاجرين من أصل غير أورروبي باعتباره يهدد ببلقنة "الجنوب الفرنسي" زاعماً أن "المهاجرين من ذوي الأصول غير الأوروبية، يمجرد أن يصبحوا أغلبية، سيطالبون بداية بالحكم الذاتي، ثم يسعون بعد ذلك إلي انفصال الجنوب الفرنسي والمطالبة باستقلاله" بيد أن كراهية الأجانب في أوروبا تنصب بالتأكيد علي أولئك المهاجرين القادمين بحثاً عن عمل يوفر فرصة عيش كريمة، ولا تنسحب هذه الكراهية بالطبع علي الاستثمارات العربية والأموال العربية التي تضخ الدم في اقتصاداتهم وتدر عليهم المزيد من الثروة.